شـمعة أمـل
يصادفك الكثير من الأشخاص في الحياة بدءًا من بيتك الصغير وحتى دائرة عملك مختلفو المزاج والطباع متباينو الفكر والاتجاه. بعضهم يعيش هزيمة ذاتية رسبت في نفسه شتى الإحباطات فانعسكت على تصرفاته الملوثة بالسلبية، فتراه عدوانياً، ناقداً، جارماً، كل شيء أمامه يميل إلى السواد والعتمة، لاحظ كلماته المختبئة تحت لسانه: ((حظي عاثر.. كبرت واشتعل الرأس شيبا.. سمنت كثيراً.. الطقس غائم مغبر.. الناس كلهم كذابون.. أولادي ليسوا بالمستوى المطلوب.. الخ))، يتسرب إليك مناخه السالب فتصاب بالهبوط المعنوي وانخفاض في طاقتك.
وبعضهم الآخر مبتهجاً، متفائلاً، سعيداً، يشع دفئاً وراحة: ((الحمد لله سيتحسن دخلي في المرات القادمة.. أنا سعيد بالمقدار الذي رزقني الله.. الطقس لا بأس به اليوم..)) تلتقط حواسك إشاراته الإيجابية وحماسته كمس كهربائي يسري في عروقك فيرتفع عندك منسوب الطاقة والاندفاع.
في مجتمعنا حالة متفشية بكثرة بين الناس وهي ((الإحباط)) شعور الفرد بأنه غير منسجم مع نفسه رغم هذا الكم الهائل من النعم، الفرد فيه يملك كل أدوات السعادة لكنه لا يعرف كيف يوجه إحساسه في توظيف هذه الأدوار بالاتجاه الإيجابي، بحيث يعقد مصالحة دائمة مع نفسه ليرضي عنها وينمي ذاته بالمقدار الذي يحقق له الأمان الروحي، فدائماً ما نرى السلبيات في كل شيء، وغالباً ما تشدنا العيوب وكأن الحديث عن الإيجابيات والمحاسن فيه من العيب والرياء ما نخجل عن البوح به، عندما يرسب ولدك في الامتحان يمكن أن تقول له: ((أعلم أنك ذكي وحتماً ستنجح في المرة القادمة)) أو تنتقده بقسوة ((إنك فاشل وغبي))، في المرة الأولى تبذر بذرة الحماس في الولد فينطلق ليثبت أهليته للنجاح، والعكس في الحالة الثانية، أنت تحبطه وتمتص كل طاقته وتشل كل حوافزه.
دائماً ما نرى النصف الفارغ من الكأس ونتجاهل النصف الملآن، فلو أحصيت النعم على شكل نقاط وقاربتها بشكل نسبي ستجد أنها تشكل 75% نسبة إلى السلبيات، لكن الإنسان أحياناً ولجهل فيه يزرع الشوك بين الورد ويغرس في عاطفته معول هدم، ويجتث الخضرة والنماء والحب ويطل على العالم بعينين قاحلتين نضب منهما كل بريق، نحن نحتاج أن نعمق في إحساسنا الإيجابيات والصور المشرقة والأوجه الجميلة، اليابانيون بعد الحرب العالمية الثانية نهضوا من وسط الركام بإرادة صلبة وروح مشعة بالأمل، ورسولنا الأكرم (ص) أضرم نار الحقيقة وسط ظلام دامس وفجر صبحاً ظل إلى هذا العصر منيراً لا تغيبه الفتن والملاحم.
لماذا يفتقد واقعنا إلى المتحمسين والمتفائلين الذين يبحثون في أنفسهم وفي الآخرين نقطة ضوء تدلهم إلى السعادة والسلام الداخلي؟ لماذا نظل في خصام مع ذاتنا نصرعها بنظرتنا السوداوية ومزاجنا الكئيب؟ الأمل فسحة راحة تسافر بها أحلامنا إلى المروج الخضراء لنحصد حبا، لنثمر عطاءًا، لتتوقد فينا الطاقة الروحية، لتنطلق بحرارة، لنستنشق نسائم عذبة وسط شقاء الحياة.
دعونا بكل رحابة صدر نشعل شمعة أمل في عواطفنا لنحب، ونغفر، ونبتهج، ونعطي دون حدود، دعونا نشعل شمعة أمل في عقولنا فنظل نصارع التجربة المريرة دون يأس، ونحول الإخفاق والفشل إلى نجاح وتحدي، دعونا نشعل شمعة أمل في علاقاتنا، لتثمر، لتنمو، لتكبر وتنضج. طاقة الأمل شعلة حماس تشتعل بين جنباتنا نصدرها إلى الآخرين عبر ابتسامة دافئة وكلمة عذبة، وسلام حار، فنضمه إلى دائرتنا، إلى كوكبنا السعيد، فالحماسة تعدي كما المرض يعدي، فلنحطم المنظار الأسود الذي يشوه نظرتنا إلى ذاتنا ويرسم بيننا والآخرين فواصل شك وريبة.
ليقرر كل منا من هذا اليوم أن يصالح نفسه، أن يتحد مع إيجابياته وينميها ويدللها ويحطم أصفاد الشؤم والحزن ويطلق سراح عصافير أشواقه لتحب الحياة وتحتضن الأمل. العمالقة والمبدعون على مر التاريخ ممن افتقد جزءًا من حواسه كحاسة البصر اقتحموا الظلام ببصيرة نورانية، بقلوب متفائلة وأرواح إيجابية ونفوس عظيمة لم تكبلهم الإعاقة عن العطاء. تذكروا دائماً إنه عندما تضيق بكم الدنيا وتنعدم الرؤية، تبقى لكم النجوم دليلاً إلى الهدى
م ن ق و ل