الحب العلاقة الأهم و الأخطر و لماذا ؟؟؟؟؟؟
-هذه المحاضرة ردا لسؤال فتاة رقيقة تشب على الطوق بأنوثة طاغية وعيون رقيقة صافية محبة وأحلام جميلة وأحاديث وسادة خالية ولا تدري ما الحب وكيف علاماته ولمن الحب وما نتائجه وهل هي تعيش الحب أم تعيش حالة من الحب .
- فكان الرد في توضيح تعريف ومفهوم الحب ، والحاجة إلى الحب وحالاته وصوره من خلال كتابات القرآن الكريم والأحاديث النبوية والإنجيل ونماذج من الأدب الفرنسي و العربي بشقية الحب العفيف والصريح وحرصت على أن تكون النصوص المقتبسة بلونين مختلفين
هذه محاضرة مسموعة في الأساس أكثر من كونها مقروءة . وهذا اجتهاد منى حسب ما أراه وما اعتقده أو ما وجدته حتى وأن اختلفت معه فإن أخطأت في فكرة أو جملة أو كلمة فهذا من نفسي وما أبريء نفسي أن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي ، وأن أصبت فمن الله نعم الهادي إلى الطريق المستقيم .
- وحرصت من خلال الحوار إلى التفهم في المعنى أكثر والوصول بالمشاعر إلى الصور الحقيقة ومحاولة التجريد أحيانا للوصول إلى الهدف الأساسي من الأشياء والغاية الأسمى وأضعها أمام من يقراها في صورتها الحالية ولكل قارئ قرئها مباشرة أو من خلال آخرين فله الحق أن يعلق عليها ويضيف عليها رؤيته أو يستخدم منها مايريد كيفما يريد فهي عمل مشترك للجميع ومع الجميع
- وإلى سيدتي الجميلة وفتاتي الرقيقة أقول لهما أنتما الأجمل والأرق وسببا في كثير من الأشياء الجميلة وأتمنى أن أكون أجبت على ما يشغل بالكما ،كما أتمنى أن تكون محاضرة ذات نفع وفائدة ومتعة خاصة لك أيتها العاشقة الصغيرة وأن تصحح لك كثير من المفاهيم التي ربما غابت عنك وتساعدك في الرؤية والاستمتاع أكثر بالحياة وتمنياتي لكما بأن تكون كل أيامكما القادمة جمالا وتألقا وحباً وعشقا متمتعتان في ذاتكما ممتعتان لمن حولكما بكل الحب والود .
سألت عن الحب؟
وهل كل علاقة بين رجل وامرأة حب؟
وهل رغبات الجسد جزء من الحب أم هي من الشهوة المرفوضة الغير مقبولة في الحب ؟
وهل ما يشعر به الأخر تجاه الآخر حب أم من الممكن أن يكون وهم الحب ؟
والحب صورة واحدة ثابتة أم متغيرة متبدلة تنقضي وتذهب وتتبدل وتنتهي مع الأيام ؟
وما علامات من يحب وكيف يستطيع أن يتأكد من انه محب ؟
ومن يحب شخصا ما هل من الضروري أن يكون الأخر محب له بنفس الدرجة والقوة .؟
كيف اعرف أنى محبة وكيف أسير في شاطئ الحب بمهارة العاشقة المتلذذة بحياة الحب والمحبين؟
وكيف تنجلي الصورة لعيون قلبي وفكر روحي فأعلم أن كنت محبة أو متوهمة الحب ؟
لقد سألت عن عظيم وعن ما اشغل الإنسان منذ بداية الحياة والتكوين وعن هدف وغاية ووسيلة
ومن الصعب أن يتحول الهدف والغاية إلى وسيلة فهي وسيلة لنصل لغاية الحب
فبالحب نصل للحب ونحصل على الحب ونستمتع بالحب فالحب في كل شيء وكل الصور حب الخير والحق والجمال حب الله وجنته وحب كره النار وحب كره الشيطان وشره فتجد أن أساس الحياة الحب
يخرج من كل الأشياء ويحتوى كل الأشياء حتى الكره يحتويه الحب ويخرج منه
فكيف تحب أن تكره فالحب أساس الكون والعقيدة
فحب الله لعبيده مهد لهم الأرض وسهل لهم سبلها وأرسل لهم الأنبياء.
نستعن بالله الواحد الأحد الفرد الصمد ونجعل حوارنا لله ومع الله سبحانه وتعالى وخالصا لوجهه الكريم .
الحب أساس الحياة :
1- الحب أساس العقيدة وأصل الدين والحياة :
- الحب لله تعـالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم فرض وأمر ويدل على إثبات الحب لله تعالى قوله عز وجل :
(( فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ (54) البقرة )) – وقوله تعالى ( ( وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبًّا لِّلّهِ - (165) البقرة - . – وقد جعل الرسول صلى الله عليه وسلم الحب شرط الإيمان (( لا يؤمن أحدكم حتى يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما )) – متفق عليه – وجاء أعرابي إلى النبي صلي الله عليه وسلم فقال : يارسول الله متى الساعة ؟ قال :" ما أعددت لها " فقال : ما أعددت لها كثير صلاة ولا صيام إلا إننى أحب الله ورسوله فقال له رسول الله صلي الله عليه وسلم :" المرء مع من أحب " . متفق عليه . "لا يؤمن أحدكم حتى يكون الله ورسوله أحب اليه من نفسه ومن أهله والناس أجمعين" وقال الرسول محمد صلى الله عليه وسلم:" الأرواح جنود مجندة ما تعارف منها أئتلف وما تناكر منها اختلف". وأن سر التباين في البشر إنما هو الاتصال والانفصال فكل شكل يميل إلى شكله وكل رفيق إلى رفيقه يحن والمثل إلى مثله ساكن والله سبحانه وتعالى يقول: "هو الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها ليسكن إليها" فجعل هدف السكون أنها منه.
- ويروى ان سيدنا المسيح عيسى عليه الصلاة والسلام مر بثلاثة نفر قد نحلت أبدانهم وتغيرت ألوانهم فقال لهم : ما الذي بلغ بكم ما أرى ؟ فقالوا : الخوف من النار ، فقال : حق على الله أن يؤمن الخائف . ثم جاوزهم إلى ثلاثة آخرين فإذا هم أشد نحولاً وتغيراً فقال : ما الذي بلغ بكم ما أرى ؟ قالوا : الشوق إلى الجنة ، فقال : حق على الله أن يعطيكم ما ترجون ، ثم جاوزهم إلى ثلاثة آخرين فإذا هم أشد نحولا وتغيرا كأن وجوههم المرائي من النور ، فقال : مال الذي بلغ بكم ما أرى ؟ قالوا : نحب الله عزوجل ، فقال : أنتم المقربون أنتم المقربون - إحياء علوم الدين للغزالي –
الحب في الأنجيل :
- في الأنجيل رسالة يوحنا الأولى فصل رقم 4 الله محبّة7فليُحِبَ بَعضُنا بَعضًا، أيُّها الأحِبّاءُ لأنَّ المَحبَّةَ مِنَ الله وكُلُّ مُحِبٍّ مَولودٌ مِنَ الله ويَعرِفُ الله 8مَنْ لا يُحِبُّ لا يَعرِفُ الله، لأنَّ الله مَحبَّةِ.
وهنا الرسالة واضحة في تأصيل أصل المحبة فهي من الله الواحد الأحد بفضله وكرمه وجوده على عباده ومن يحب فهو مولود من الله ويعرف الله ومن تبكي عينه من الألم على الآخرين فهو من الله لأن الله محبة أمر بها وحرص على أن يتصف بها عباده فالمحبة رحمة وإحساس بالآخرين والتعاطف معهم ونجدتهم والحرص على حياتهم وسعادتهم ، والمحبة أمل وبسمة ورسالة سلام وتقدير للأخر مهما كان الآخر مهما أختلف معنا مع تباعد بيننا وبينه الفكرة والعقيدة فهو خلق من خلق الله وجب علينا محبته وإحترامه وتقديره ومن يفعل غير هذا ومن هن او يلمز أو يحقر هذا الأخر فهو لا يعرف الله مهما كان كبيرا أو صغيرا، كاهنا أو قديسا أو شخص عادي لا يعرف شيئا فمن يتعرض للأخرين بالإيذاء فهو لا يعرف الله الواحد الأحد خالق الحب والمحبة .
- يقول ايضا في نفس الرسالة 21وَصِيَّةُ المَسيحِ لنا هِيَ: مَنْ أحَبَ الله أحَبَ أخاهُ أيضًا. وهنا مبدأ أخر حبك لله حبك للآخر مهما كان الآخر لأنه من خلق الله فمن أحب الله أحب أخاه أمتدادا وتنفيذا لوصية الله في محبة عباده لأنهم خلق من خق الله ، والحب يتعدي كل الكائنات التى خلقها الله كائن من يكون نبات حيوان ففي الرفق بهم والتعامل معهم برحمة نوع من الحب لله ونوع من التوحيد والتمجيد والتقديس لهذا الأله .
- يقول ايضا في فصل رقم 15 يقول - 12هذِهِ هِيَ وصِيَّتي: أحِبُّوا بَعضُكُم بَعضًا مِثلَما أحبَبْتُكم. وهنا أمر فقال ( أحبو ) والألف نوع من الأمر والألتزام وكان من الممكن أن يقول ( حبوا ) فهذا أمر فكما أحببتكم فيجب عليكم أن تحبوا بعضكم بعضا وهنا كما تأخذ المحبة من الله عليك أن تعطي المحبة إلى الآخرين وفرض أن تعطي الحب للآخرين إذا كنت تبحث عن الحب من الله ، و حبك للآخرين نوع من الاستمرار والتواصل للحب من الله العظيم .
- يقول في 17وهذا ما أوصيكُم بِه: أنْ يحبَ بَعضُكُم بَعضًا. وهنا بعد كانت أمرا يعود فيجعلها وصية الى من يريد ان يتبعني ومن يقول أنه على منهجي وطريقتي ويريد محبتي عليه أن يحصل عليها من محبة الأخرين .
2- الحب فطرة فطر الله عليها الخلق :
- الحب فطرة خلق الله بها الإنسان وهي أساس الحياة فيه تغفر الزلات وتزداد الحسنات وتعمر الأرض والسماء وتزداد الزهور جمالا والأطفال عناقا وانتعاشا، وهناك قول اثري " لو لم نجد الحب لأخترعناه" فالطبيعة البشرية التي خلقها وفطرها عليها تشتاق إلى الحب وتبحث عنه في ذاتها وفي حب الآخرين لها وحبها للآخرين مما يكون النسق الطبيعي للحياة وللنمو في الدنيا والتفاعل بين البشر وأعمار الأرض .
تعريف للحب :
الحب فعل رق ودق وأثر فأبلغ الأُثر في من يحب ، فدقة معانيه لجلالتها عن أن توصف ولا تدرك حقيقته إلا بالمعاناة ولو كان غاية الحب الصورة الشكلية لما استحسن أحد صاحب الصورة الناقصة ونجد كثيرا من يؤثر الأقل ولا يفضل عليه غيره ولا يجد لقلبه عنه محيدا ،
ولو كان للموافقة في الأخلاق لما أحب المرء من لا يساعده أو يوافقه،
ولذا نعتقد ان المحبة شيء في ذات النفوس كانت لسبب ما من الأسباب تشعر به
لا تدري له سببا قد يكون حسن الصورة حسن الخلق حسن الحديث والنظم
أو بسبب أخر لا تدري له سببا في اغلب الأحيان قد يكون أحدهم أو كلهم مجتمعين .
- فالحب هو كل ما رق ودق وتمكن فتملك من نفس المحب الى الحبيب.
- الحب شعور وجداني قوي ينمو نحو شخص او فكرة او موضوع مع رغبة في الارتباط بهذا الشخص .
- الحب سلوك يتمكن من النفس فيحيد بها عن سلوكها الظاهري الى سلوكها الباطني ولتحقيق رغبات المحب في الوصول الى الحبيب الذي يحبه.
- الحب أي شيء تشعر بالمودة والألفة نحوه وتستمد منه مشاعرا وأحاسيس وأفكار تجعل الحياة لك أجمل وأرق وأحلي تجعلك مبدعا في ذاتك مؤثرا على محيطك مشيدا في الحياة الحق والخير والجمال فهو ينبوع يفيض من داخلك الى محيطك فيغير العالم لك ولمن حولك فهذا هو الحب .
- الحب لفكرة لجملة لوطن لرسالة لعقيدة لشخص لعمل لكل شيء من الممكن أن يؤثر ويغير في صاحبه ويجعله الأفضل والأروع والأحسن بفضل الله عليه فهذا هو الحب الحقيقي الصادق .
صور الحب :
وللحب صور عديدة وأنواع متعددة أعلاها وأفضلها وأجلها :
- المحبة في الله ولله وهي تستلزم محبة ما أحب الله ، وتستلزم محبة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم .
- محبة القرابة ومحبة الألفة ومحبة الصداقة ومحبة الاتفاق في طريقة أو دين أو مذهب أو مهنة أو صناعة ومحبة التعرف ومحبة بلوغ اللذة ومحبة لنيل غرض من المحبوب إما من جاهه أو مال ومحبة العشق فكل محبة تنقضي بقضاء هدفها وتزيد وتنقص إلا محبة الله وفي الله ، لأنه من ودك لأمر ولي عند إنقضائه .
- محبة المشاكله والمناسبة ( هي انجذاب الشيء الى موافقة ومجانسة بالطبع فالمثل إلى مثله مائل وإليه صائر ، والضد عن ضده هارب وعنه نافر ).
وقال الله تعالي ((هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَت دَّعَوَا اللّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحاً لَّنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (189) )) سورة الأعراف-
فجعل سبب سكون الرجل الى المرآة كونها من جنسه وجوهره وهذا يفسر إلتقاء شخصين ربما مختلفين في الصورة والحسن وربما مختلفين في القصد والإدارة وإن كانت الأتفاق من أسباب المحبة ولذا فالمحبة الحقيقة لا تزول إلا بعارض يزيلها كالموت ، فربما تجد من يحب ويبلغ من العمر دهرا وإذا ذكرت له الحبيبة تذكر وصبا وتبدل وازداد شوقا وحنينا اليها. ونفس المحب عالمة تبحث عمن تحب مشتهية لملاقاته جاذبة منجذبة إليه، فإنها استحسان روحاني وإمتزاج نفساني ولذا إذا وجدت علاقة بين طرفين أحدهم أكثر من الآخر فهي إما محبة غرضيه أي لحاجة وغرض لأحدهم فلا يشتركان في محبة الغرض أو يوجد مانع في المحب إما في خلقه أو خلقته تمنع الألتقاء والأقتراب بينهم فإذا لم توجد تلك الموانع كانت المحبة ذاتية من كلا الطرفين بنفس الدرجة ونفس القوة ومتبادلة الأتجاه .
- صورة حب الأخرين في كل الصور أم وأب وأخ وأخت وابن وصديق وأخر لا تعلم له سميا إلا أنه إنسان حب الخير وهو حب العطاء والمساعدة والبذل من أجل ذاتنا في الأخرين .
- صورة حب الذات في ذات تسكن اليها تسر اليها بمكنونات النفس تعشق لمساتها صوتها حركتها سكونها حب الذات وعشق الروح في الجسد وعناق في استسلام مع حديث همس في صرخات من أعماق النفس الى نفس تحتويها فتعيد لك التوازن وتعيد للحياة طبيعتها وللكون حركته وللنفس سكونها ووداعتها واستعدادها للعودة من جديد في كل مرة امرأة ورجل جديد أسفل زخات المطر يعدن الولادة من جديد في رحم الحب في أعماق الذات يتقابلان ، يتلاقيان ، يتهامسان ، يتحادثان ، يتعانقان ، يتحاوران ، يسجدان على سجادة الصلاة سويا في البحث عن عبادة الله الواحد الأحد في اتحادهم واتساقهم في لحظات السكون والدعاء بالتواصل .
درجات الحب :
الحب مثل كل الأشياء يبدأ صغيرا ينمو وتزداد فيبدأ بالإعجاب ثم التعلق ثم التغير بأن يسقط على من يحبه أشياء ليست فيه ثم التبلور وهي مرحلة وضع كل الصفات والمزايا في صورة جديدة متبلورة يبدأ بالإعجاب بالصورة الحسنة فالنفس مجبولة على الولع وتمييز الحسن والإعجاب به فيقترن بها ويقترب منها فإذا اقتربت منها وجدت أشكال من الاتصال الأخرى بدأت تتدرج إلى المراحل الأخرى حتى تصل إلى المحبة الحقيقية وإن لم تتجاوز الصورة أصبحت حب شهوة ،
والحب داء وفيه الدواء منه على قدر المعاناة ومقام مستلذ وعلة مشتهاة لا يود السليم البراء منها .
- تذهب لمعرض به صور رائعة فتجد صورة جميلة براقة ألوانها قوية وتعبيراتها صارخة تجذبك من أول صالة العرض فتذهب إلى هناك تقف أمامها وتنظر إليها فتجد معانيها رقيقة سطحية سرعان ما تتركها ، بعد ان تفقد الألوان بريقها وتأثيرها وتتحول الألوان القوية إلى أشياء تزعجك فلا تستطيع أن تكمل الوقوف أمامها أو تجد خلف جمال الصورة عمق الشخصية ودفء المشاعر ونبل الأخلاق فتعيش بداخلها . ولعلك تجد شخص يقف أمام لوحة لا يتحرك تتعجب ماذا يعجبه فيها ، فهو قد وجد ما يجذبه وما يجعله يعيش بداخل تلك الصورة واستمد منها الاتصال الروحي الذي يدفعه إلى التفكير فيها وحولها ومن خلالها ،
- وإذا نظرنا إلى قطعة من الألماس نجدها في الأساس قطعة من الخشب تعلقت بمجموعة من البلورات الزجاجية حتى التصقت بها ثم تبلورت حولها العديد من الطبقات حتى تحولت الى قطعة من الألماس النادر التي غيرت من طبيعة المادة وقيمتها فهذا الحب الحقيقي يحول النفوس والطباع الى قطع من الألماس تتواري خلفها كل الصور الأولى إلى صورة حالية براقة تخطف الأبصار وتسير بالعقول وتبقي مع الزمن قيمة خالدة عطائه براقة حتى بعد أن تنتهي الحياة فمازالت قصص المحبين والشعراء تثير في أنفسنا الراحة والسعادة والبحث عن الحب حتى بعد أن مضوا وانتهوا من عالمنا فقطعة الألماس تبقي آلاف السنين وتظل تشع بريقا ولمعانا على مدار السنين .
- أو حبة من الرمل عشقت محارة فتحولت وتبدلت إلى لؤلؤة براقة جميلة تظل دوما رمز للنقاء والأصالة والقوة والجمال في أن واحد هكذا الحب لؤلؤة نادرة بداخلها ألماس في صورة من صور الطبيعة وقدرة الخالق على الإبداع تبارك الله أحسن الخالقين ، وكأن العشق مبدل مغير من صورة الأقل الى صورة الأعلى والأفضل والأكثر تميزا ، فمن حب ولم يتبدل أو يتغير أو يتطور فهو موهم بالحب وليس محبا عاشقا أو محب بالدرجات الأولى من الحب ، فالحب درجات ومراتب وليس كل المحبين درجة واحدة .
تعريف كلمة الحب لغويا :
والحب (ح – ب ) كلمة مكونة من حرفين:
حرف الحاء (ويخرج من داخل الروح من أقصى الحلق وكأنه ينطق من أعماقك )
حرف الباء ( يخرج من الشفتين ويغلق عليها وكأنه سر من أسرار حياتي يغلق الروح عليه والنفس ودعيهم يا حياتي يفكرون يتخيلون )
وكأن حروف الحب تدل على أنه بداية من داخلك بكل أعماقك تغلق عليها حياتك وتغلق عليها كل أشيائك وأفعالك حب بلا بداية إلى نهاية بدون افتراق فيخرج من أعماق النفس ليحرك القلب فتنطق به الشفاه وتتخاطب به العيون وتتصاعد به الآهات والزفرات والعبرات وتتحرك به اللمسات.
والأفعال والأقوال التي نعبر بها عن الحب لا قيمة لها إن لم تكن نابعة من مشاعر دفينه بالقلب صادقة يتوافق فيها الظاهر والباطن على نفس الدرجة والوتيرة من الألتقاء والألتصاق.
فالحب ليس نزوة عابرة او شهوة مجردة وإنما هو اشتراك بين روح وجسد ،
فالحب ليس حب جسد لجسد فيكون شهوة ورغبة حب الشهوة والألتقاء والألتصاق فإذا انقضت وتمت الرغبة سرعان ما يترك كلا منهم الأخر فحبهم كان للعلاقة وليس للأخر ينقضي بانقضاء العلاقة. وانتهاء لذاتها .
والحب ليس حب روح لروح فتكون تخيلات وأحلام فكرية تداعب خيال ملائكي للأرواح
لا أجساد لها فيكون أوهام وأحلام خرفية في ليالي غاب فيها العقل والجسد معا ،
بل هو أمر وحكمة الله الواحد الأحد الذي خلق الأرواح تتلبس الأجساد فتتحكم بها وتأمرها فتأتمر بأمرها
فالحب روح تتقابل تتعانق وجسد يلتقي يشفى للروح رغبتها في الألتصاق واللقاء والعناق.
علامات وبدايات الحب :
إدامة النظر إلى من تحب فالعين رسول المحبة والمخبرة عن أسرار النفس والمعبرة عن بواطنها وأول سهام الحب ورسول المحبين ولذا حرص الشرع الحنيف على غض البصر وحرص القرآن الكريم على أن يقول للمؤمنين والمؤمنات على غض أبصارهم عما لا يجوز لهم أو غير محلل لهم وفي هذا حرص على آلا يقع الإنسان في حالة الحب الغير حلال وغير المتوافق مع ضوابط الشرع التي تأخذ بالعقل فيتبع المحب المحبوب فيقبل على حديثه وينصت له وتصديقه في كل شيء وموافقته والتعمد للقعود بقربه والدنو منه ومنها اضطراب المحب إذا وجد من يشبه محبوبة أو ذكر مجرد اسمه فجأة واضطراب يظهر على المحب عند رؤية من يحب فجأة .
والحب الحقيقي مبدل لطبائع النفوس ومغير العادات ، فيحيل الشخص لأخر يطغي الحب على حركاته وسكناته ، فكم من بخيل جاد، وعبوس تطلق ، وجبان تشجع ، وحاد ترقق ، وجاهل تعلم ، وناسك تفتك ، ومصون تهتك . ومن مظاهرة التعمد لمس اليد عند المحادثة ، لمس ما أمكن من الأعضاء الظاهرة ، وعناق الباطنة بالروح والرغبة ، وتحري المكان الذي يقابله فيه ، وإذا حدث بينهم إختلاف كبير لا يصلحه سوى الدهر الطويل فإذا تقابلا فلا تلبث أن تراهما عادا إلى أجمل الصحبة ، وسقط الخلاف ،
وانصرف إلى المضاحكة والمداعبة في الوقت ذاته .
- من علاماته تجد المحب سيتدعي سماع اسم من يحب ويستلذ الكلام عن أخباره ، ولا يرتاح لشيء ارتياحه لها ، ولا ينهيه عن ذلك تخوف أن يفطن السامع ويفهم الحاضر.
- من علاماته حب الوحدة والأنس بالإنفراد والسهر من أعراض المحبين وحديث النجوم وحركة الكواكب وترقب صعود الشمس وغياب القمر.
- من علاماته الجزع الشديد عندما يري من إعراض محبوبة عنه وأنفاره منه وآية ذلك الزفير وقلة الحركة والتأوة وتنفس الصعداء .
- من علاماته أنك ترى المحب يحب أهل محبوبة وقرابته وخاصته حتى يكونوا أحظي لديه من أهله ونفسه ومن جميع خاصته.
واعلم قد يكون في الدنيا ما يغنى الشخص عن الناس وأهل الأرض جميعا ولكن الدنيا بما وسعت ورحبت لا يمكن ان تغنى او تعوض محبا عن الذي يحبه فهو شخص واحد في ذاته ولكنه في حساب المحب أول الأعداد والأشخاص وأخرهم إذ ليس بعد آخر مهما تكررت الأشخاص وتغيرت الصور
وتبدلت الأماكن إذا تمكن الحب الصادق من النفس .
وإذا كان الكلام والتعبير واللغة وسيلة وأداة من أدوات الحياة ، أما الحب فالحياة من بعض أدواته فالحياة تشمل الحياة على الأرض والحياة في السماء والفكر والعقل والماجن والحكيم والمجنون فالحب حياة في ذاتها تختلف عن تعبيرات ولغات الأخرين فالكلمة الصادقة النقية التى يلقيها حبيب الى محبوبته تأتى وكأنها لغة مخلوقة لذاتها ولحظتها إذ ينتزع منها المحب صورا لا يراها كل الناس ويصب له من نفسه معاني لا تكون لها في ذات الكلمة ويراها مبتدعة ابتداعا غريبا كأنه رسالة حياة كاملة في كلمة فمن الممكن ان تكون رسالة يراها اثنين من المحبين حياة بأسرها في أربع حروف تنساق فيها كل الرغبات من تنهيد وبكاء وضحكات وأمل وفرح وتوجع ولقاء وارتقاب وسعادة بنتيجة ، إذ ان كل كلمة ببينهم تضرب على قلب احدهم او كلايهما معا وعلى عقله فتكون حروف خلفها صور وأحداث ومشاعر .
- من علاماته البكاء للمحبين فهو غزير تحضره دمعته إذا تذكر حبيبة .
- من آياته مراعاة المحب لمحبوبة وحفظة لكل مايقع منه وبحثه عن أخباره حتى لاتسقط عنه دقيقه ولا جليلة وتتبعه لحركاته.
- الحب مبدع في ذاته دافع لغيره فيجعل المحب في أحسن حالاته وأعصابه هادئة خصوصا إذا بلغ المحب حبيبة وامن برفقته وانس بقربه فيكون إطالة عمر في عمره وتفاؤل ينتشر في وجدانه ويدفعه إلى عمل خارج عن طباعه مبدع في صوره وأشكاله .
- من علامات الحب الحقيقي أن يتبدل الخامل الذِكر الضعيف الهمة إلى نشيط متقد الذكاء واسع الصيت ، أن يتبدل البعيد الرؤية إلى حكيم صفيح يعلو إلى عنان مجد السماء ويصعد منصات التتويج والإعجاب يبحث عن عيون من يحبها ليقول لها أنا هنا في أعلى من داخل أعماقي
هنا من أجلك أنت من أجل أن أكون من يحبك ومن تحبينه سيدتي.
فانا كقطرة ماء تمتزج في أنهار شوقك وحنينك ونسمة عليل في عواطفك العذبة الندية فلا يوجد شيء وحيد فحكمة الخالق أن تلتقي الأشياء وتمتزج في روح ومكان ومشاعر واحدة فلماذا لا نلتقي أنا وأنت سيدتي نلتقي على لحظات المجد نصنعه سويا اصنعه من أجلك ولك وبك فانا منك وأنت لي .!!!!
الحب قانون كل شيء من حولنا لا يتدخل فيه الإنسان ، فتجدي فراشة تطير على زهرة تجمع الرحيق وتنقل معها حبوب اللقاح والنمو والأستمرار والأزدهار بشكل بديع متناسق
وتعطيك من حلاوتها وتعطي للكون جماله ورقته وعذوبته .
إذا فقد الحب فلن يكون هناك معنى او قيمة للكون بما فيه مهما كبر ومهما اتسع او ضم او رحب فلا أمومة ولا طفولة ولا حياة بدون الحب لو درجة من درجات الحب والأمل في الغد المشرق .
حالات المحب :
الحب ليس درجة واحدة او حالة واحدة تبدأ بنفس الدرجة والسرعة والوصول وحكمة الواحد الأحد جلا علاه في أن الأشياء تتدرج من بدايتها ولذا ينقسم الحب الى أقسام حسب الحالات والدرجات التى يمر بها المحب لمحبوبه :
1- الإعجاب : إعجاب المحب بشيء يجده فيمن يحبه .
2- العلاقة : وهي تعلق المحب بالمحبوب.
3- الصبابة : انصباب قلب المحب على محبوبه في كل الصور والحالات.
4- الغرام : لزوم الحب للقلب المحب لزوما لا ينفك عنه في كل حالاته وعلى مدار يومه وليله. فإذا استيقظ وجدها في نظرة عينيه وجدها في أشياءه وإذا نام وجدها في حلمه ومنامه.
5- العشق : وهي إفراط المحب والمحبة لمحبوبة بدون تفكير او تدقيق او تمحيص فهو أنا وأنا لست ادري من أنا.
6- الشوق : سفر القلب إلى المحبوب والسكون بداخله فلا أرى الآ ما يرى ولا استحسن من الكون إلا ما استحسنته عينيه وما أهفو الى قلب الا للذي بداخله.
7- التيم : تعبد المحب لمحبوبة وهي درجة المحب لله في ذاته فتتعبد في ذاته تعبد التيم في كل أفعاله خالصة لله ولوجه الكريم كل الأفعال بلذة المحب المتشوق الى لقاءه ويتعبد في ذاته.
وهناك الشغف والهيام وغيرها الكثير مما شابه ما سبق من حالات...
المحب يعشق القيم العليا والشموخ والكبرياء والمغامرة والإباء ويهيم بالفن والفكر يهيم في عالم من الجمال والسحر في عيون محبوبته ويجوب وادي من أفكار البحث عنها ، البحث لها ، البحث معها ،البحث عنها في ذاته وفي ذاتها وفي الكون من حوله، والبحث لها في أفضل الصور والمعاني والكلمات ، والبحث معها عن سعادة الأرض وجنة الفردوس .
ويقول الله سبحانه وتعالى ((وِمِنْهُم مَّن يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (201)) البقرة - .
فحسنة الدنيا المرأة الصالحة المحبة لزوجها المحب لها ، تحب بكل مشاعرها وكيانها وإحساسها ، وحسنة الآخرة الجنة وتمنى الفردوس الأعلى ، فكأن المرأة المحبة فردوس الأرض والجنة فردوس الآخرة ، وهنا من يعيش الحب في قمة حالاته وأعلى عطائه يحصل على فردوس الأرض وإن شاء الله يحصل على فردوس السماء باذن الله وفضله ، ومن أنعم عليه خالقه بالفردوس الأرضي سيصله لا محالة بإذن الله الى الفردوس السماوي أيضا بجوده وكرمه على عبده . !!!*
ولذا العاشق المحب لذاته من خلال ذات حبيبه يدفع في ذلك أثمن وأغلي ما يدفعه محب للفردوس وتاتي كلماته نابضة بصدق مشاعره ونابعة من داخل أعماق ذاته في بداية الكون تبحث عنها لنهاية الفردوس لفردوس أخر ممتد بلا نهاية ولذا الحب طريق الجنة ووسيلة المحبين لبلوغ المراد فلن تبلغ المراد بدون بلوغ سبل المحبين العاشقين لله سبحانه وتعالى والمحاسبين لأنفسهم الناظرين له في كل الصور وفي كل الحالات .
- الحب حالة من العطاء المتصل المستمر الذي يأخذ من نبع المحبة في ذاته ويعطيها للأخرين ولذا يجب السماع الى صوت المحبة الخالصة والحب الخالص والعمل بتأصيل الحب في الذات وإعطائه للأخرين ، وكما قال جبران خليل جبران " إذا اشارت المحبة إليكم فاتبعوها .. وإذا ضمتكم بجناحيها فأطيعوها .. وإذا خاطبتكم فصدقوها .. المحبة لا تعطي إلا من ذاتها ... ولا تأخذ إلا من ذاتها .."
- قال الشاعر الأنجليزي الشهير جورج شامبان على لسان فاليريو ابن الفارس كونستازيو في مسرحيتة All fools – أخبرك أن الحب هو شمس الطبيعة الثانية يفجر ينبوعا من الفضائل حينما يشرق ، وكما أنه بدون الشمس عين العالم الكبيرة يصبح كل ما في الفن والطبيعة من ألوان وجمال عبثا في نظر الرجال. كذلك فإنه بدون الحب يصبح كل ما في النساء من جمال عبثا ، وتصبح كل الفضائل التي اكتسبها الرجال خاملة لأن الحب يظهرها مثلما تظهر الشمس الألوان ، وكما تعكس الشمس على العالم أشعتها الدافئة وتنمي الفواكه والأزهار ، فإن الحب حينما يشع جيدا في داخل الإنسان يولد فيه كل الثمار المشرقة الشجاعة والفضيلة والأفكار السامية إنه الفردوس والجنة في الأرض.
وهنا كما تكون الشمس هي المحرك الرئيسي لحركة الكون بفضل الله وحكمته وهي التى تصنع الصور والنماء وتلبس الأشياء ألوانها وحقائقها وبدون الشمس ستشح كل الأشياء من حولنا بالسواء والموت وتفقد كل الصور والحالات تأثيرها فهكذا الحب الصادق العفيف النقي يصنع في نفوس الرجال وطبائعهم فتولد بداخله كل الفضائل وتكتسب كل الصور الداخلية الكثير من المعاني والقيمة لها بالحب .
الحب قامت له الدنيا وبدأت به الحياة ، فحب الله سبحانه وتعالى لخلقه ، خلق لهم الأرض والسماء ، وأقام لهم أسباب الحياة ، فأشرقت الشمس وعمرت الأرض بنور ربها ، وأرسل الأنبياء لهداية البشر ، وأقام الجنة للمحبين الطائعين له سبحانه وتعالى ، المحبين لذاته الطائعين له والمحبين لجنته ، والمحبين لكره المعصية والنار ، وأقام النار للمحبين للعدل والقصاص ، فكانت الأرض والسماء والخلق والجنة والنار هي علامات الحب والحب هو أساس وجودها .
والإنسان المسلم الحق مثل النسيم العليل يهب على كل واد بما فيها من أشجار ونباتات وصحراء وبشر كالمطر يهطل على الأرض الجرداء فتتحول الى جنة خضراء بأمر ربها ، يمنح الحب الصادق لكل الناس بكل أنواعهم وطوائفهم وميولهم واتجاهاتهم بعيدا عن عرق او عرف او دين فهم في النهاية بشر من خلق الله يتمنى ان يكونوا مثله على ما يراه من الحق والتوحيد والصدق لأنه يتمنى الخير لكل البشر في الدنيا ، والأخرة في جنة الله ويتألم إذا رأى الناس في ضلال وخداع وظلم ويخشى عليهم من الإفساد في الأرض الذي استخلفه الله فيها في الدنيا ومن نار الله في الآخرة .
قيل لعالم عابد ابنك قد عشق فقال" الحمد لله الآن رقت حواشيه ولطفت معانية وملحت إشاراته وظرفت حركاته وحسنت عباراته وجادت رسائله وجلت شمائله فواظب المليح وتجنب القببح " .
الحب نجاح بإمتياز . فهو إحساس داخلي تعقبه كلمه يتبعها فكر وعمل وإبداع وحياة بكل ما فيها من بذل وعطاء وجهد وسعادة وبكاء ودموع فالحب حياة كاملة .
الحب يجعلك في صحة جيدة وسعادة من الإكتفاء بما تحب عما سواه وهدوء الأعصاب فيجعل جميع العمليات الحيوية بداخل الجسم تعمل بإنتظام وكفاءة والتوترات تختفي والتفاؤل ينتشر في وجدان المحب وأفكاره فيدفعه للعمل المثمر الذي يمتعه ويمتع الأخرين وتزداد مقاومة الخلايا له لكل الأشياء الضارة والفاسدة فالحب مدافع لأمراض العصر والسرطانات فإذا كنت محبه سيدتي ستتجاوزين الأزمة وتعودين الى من تحبين تنثرين الضحكة والابتسامة على كل الشفاة المحيطة بك سيدتي . فالحب يجعلك تتفاعلين مع أقدار الله بقدر الله وبتفاؤل وأمل وبسمة في رحمة ربك ومغفرته وأنه يعطى الإنسان دائما الخير
وقيل أن المأمون أمير المؤمنين سأل يحيى بن أكثم – قاضي - عن العشق ما هو ؟
فقال هو سوانح تسنح للمرء ، فيهتم بها قلبه ، وتؤثرها نفسه .
فقال له ثمامة : اسكت يا يحيى ! إنما عليك ان تجيب في مسألة طلاق أو في محرم صاد ضبيا أو قتل نملة ، فأما هذه فمسائلنا نحن – وكان ثمامة شاعر –
فقال له المأمون : قل ياثمامة ، ما العشق ؟
فقال ثمامة : العشق جليس ممتع ، وأليف مؤنس ، وصاحب ملك مسالكه لطيفه ، ومذاهبه غامضة ، وأحكامه جائزة ، ملك الأبدان وأرواحها ، والقلوب وخواطرها ، والعيون ونواظرها ، والعقول وآراءها ، وأعطى عنان طاعتها ، وقود تصرفها ، تواري عن الأبصار مدخله ، وعمي في القلوب مسلكه .
فقال له المأمون : أحسنت والله ياثمامة وأمر له بالف دينار .
- فقد صور الشاعر العاشق الحب بجليس وأليف وصاحب حكم وسلطه على محبه وأحكامه غير قابلة للتفسير أو التعليل أو الفهم فيكفي أنه محب يمتلك عليه قلبه وما فيه من خواطر وأهات ، والعيون وما ترى وما تسمع وما تفكر ، والعقل وتصرفاته ، ويكون بمكنون النفس في داخلها مثل الروح لاتروي ولكن تشعر بها .
- وتسكن اليها وتتقابل وتتمازج وتتحد في منظومة كما كل الأشياء في الكون من حولنا ولذا فالحب قانون كل شيء من حولنا لا يتدخل فيه الإنسان فهي منظومة من فراشة تطير على زهرة رقيقة بكل الحب فتجمع منها الرحيق وتنقل معها حبوب اللقاح والنمو والأستمرار والأزدهار بشكل بديع متناسق وتعطيك من حلاوتها ولذا في النهاية يقول لها إذا لم تكوني معي فليس معنى لكل الأشياء فإذا انتف وجود الحب فلن يكون هناك معنى او قيمة للكون بما فيه مهما كبر ومهما اتسع أو ضم أو رحب فلا وجود بدون الحب فلا أمومة ولا طفولة ولا حياة بدون حب على الأقل ولو درجة من درجات الحب والأمل في الغد المشرق .
السحر والحب عند القدماء المصريين :
- أعتقد المصريين القدماء بأن الحب قوة خفية متقلبة لا يمكن السيطرة عليها ولذا ارتبطت بعالم السحر والسحرة ولذا أقام السحرة جرعة سموها جرعة الحب – يؤخذ بعض القطرات من الدم من بنصر العاشق او العاشقة ويذاب في إناء السحر بعد أن تقرأ عليه تعاويذ خاصة ويعطى لمن يراد التأثير عليه ، فيعمل السحر على استمالة قلبه وخضوعه لمحبوبة أو عودته إليه بعد فراق .
- وقد وجد مكتوبا لفتى لجلب محبة حبيبته واستمالتها " ياحور أجعل ( فلانة بنت فلان ) تتبعنى كما يتبع الثور علفه ويتبع القطيع راعيه وسرب البط قائده " . وهنا سيدتي كانت عقلية الفتى العامل الذي استوحي تشبيهاته وتعبيراته من خلال ممارساته اليومية في البيئة المحيطة به من خلال عمل متصل وشقاء في البحث عن الذات .
- وقد وجد مكتوبا لفتاة في تعويذة مماثلة " قم وأربط من أهواه ليكون حبيبي .. ليبقى كالقلادة حول عنقي والأسورة حول معصمي ، لا تجعل عين الشر تفصل بيننا او تبعده عني " وهنا روعة التصوير والتشبيه للفتاة العاشقة وصورها المرتبطة بحياتها اليومية من خلال الحلي والجواهر والدعة ولكن تظل أنشودة جميلة ورقيقة من الممكن ان يهديها عاشق محب إلى ساحرته حتى اليوم ولو بعد مرور آلاف السنين .
فالحب والقلب واحد من قبل وبعد آلاف السنين ولكن تختلف التعابير والصور باختلاف البيئات وتظل هناك كلمات خالدة لها دلالتها وتأثيرها الذي يتجاوز الزمان والمكان ويمر على مر العصور يشعرك بحين الكلمات ودفيء القلب بالمشاعر .
دستور سيلادون في الحب في الأدب الفرنسي :
- ناخذ من قصة أونورية دور فيه المشهورة أستريه وهي قصة غرام الراعية أستريه والفتى سيلادون وكان دستور سيلادون في الحب هو دستور الهوى الشاعري العفيف ويتلخص في ثماني
- سنكتب ماقال وتكتب ما نقول نحن عليه :
1- كن مفرطا في حبك - ونقول كن محب في كل الأشياء وليس مفرطا، فالحب اعتدال ونجاح ، كن محبا في تعاملك في صوتك في حديثك في تفكيرك محبا لخالقك ، محبا لنبيك ورسولك ، محبا لكتابك وعقيدتك ، محبا لذاتك ، محبا لفتاتك ، محبا في كل لحظات حياتك حتى لحظة النوم والممات ، كن محبا في يومك وليلك وفكرك وسكونك وصمتك ، كن محبا في كل الأشياء وجميع الأشياء من حولك .
2- لا تطوي قلبك على عاطفة أخرى ملتهبة غير هذا الحب – نقول محبا لكل الأشياء حتى حب الكره الذي يجب ان يكره فتجعل الحب دستورك وقانونك الحقيقي لوجودك حتى لحظات الكره والبغضاء تخرج من رحم الحب ، فتحب القتل للظلمة والمعتدين ، وتحب النار للجبارين والطغاة .
3- أحبب أمرآة واحدة فقط – نقول أحبب كل الأشياء من خلال امرأة واحدة فقط ، فسكون الليل هو صمتها ، والنهار هو ضحكتها وحركتها ، والشمس هي ضيائها ، والقمر هو نورها ، وبسمه الطفل الصغير هي بسمتها ، والدمعة الحزينة التي تنساب من أم ثكلي هي دموعها تجدها في كل الأشياء ومن حولك في كل الصور، كن محبا للمرأة واحدة تراها كل النساء وكل الكون بما فيه من صور ومعاني من تضارب وتضاد من توافق واتحد .
4- فليكن همك الأوحد إسعاد المرأة التي تحبها – نقول فليكن همك إسعاد ذاتك في كل الأشياء وكل الصور فإسعاد ذاتك إسعاداً لها ، وإسعادها غاية ذاتك ، بسمتها ،ضحكتها ، أملها في الغد المشرق هدفك وغايتك ، إسعاد الكون من حولك في كل الأشياء في لمسة الحنان والصدق والرحمة بحيوان او زهرة حتى بجماد إسعاد لها ورقة لمعانيها وصورها فربما تلمسه يديها في يوم او تسقط عينه عليه في لحظة
فليكن همك إسعادها من خلال إسعاد كل من حولك وإسعاد ذاتك في ذاتها .
5- دافع عن محبوبتك ضد كل أذى أو عدوان – نقول دافع عن كل مظلوم ، عن كل محتاج ، عن كل بائس شقي أعطى الابتسامة والأمل لكل المحتاجين والمتعطشين للأمل والأمان والحلم الجميل الرقيق في المستقبل فهذا دفاعا عن محبوبتك دفاعك عن كل الأخطاء في ذاتك عن تصحيح نفسك دفاعا عن محبوبتك ضد كل أذى حتى ولو أذى ذاتي بداخلك دافع عنها بتصحيح ذاتك للتوافق مع ذاتها كما تشتهيك وتحب ان تجدك .
6- انظر إليها باعتبارها كاملة في كل الصفات – نقول انظر اليها باعتبارها القياس والنموذج لكل الأشياء فكلماتها نغم وصوتها لحن جميل في الأذن ورؤيته عينها حلم عيونك وأنس جفونك وعناق ليلك فهي بكل ما فيها بكل صورها هي القياس والحلم والنموذج الرقيق الكامل الذي يحتذى ويتصور من خلالها ومن خلالك .
7- لا تكن لك إرادة غير إرادتها – نقول لتكن رغباتها وأحلامها وأفكارها هي رغباتك في أعماق نفسك وقمة أحلامك وإرادتك تنساق مع إرادتها في إرادة مشتركة ترى الكون هو لحظة العناق والاستسلام تعلن عن إرادة محبين تصنع عالماً من الكلمات والمعاني والصور والأحداث ،
تصنع بسمة وأمل ويوم سعيد وغد مشرق بالأمل والفكر والعمل ،
نتحد في إرادتنا لنحقق حلمنا المشترك عالم جميل رقيق من الحب ومن العناق والبحث عن ذات في ذات .
8- لتعد بأن تظل مقيما على حبها على الدوام – نقول إذا كانت هي من تراها في كل الأشياء من حولك وترى كل الصور من خلالها وتدافع عنها وعن الأطفال والأيتام والأرامل والصور المشوهة والحالات المحتاجة والأصوات الخانقة الباكية ، إذا كانت هي ادارة حلم الغد واليوم وأمس ، فلن تكون ذاتك إلا من خلال ذاتها ، تتحرك بداخلك لا تراها ولكن تشعر بها في كلماتك في صمتك في همسك في لمسك في سكونك وحركتك فهي كل الأشياء والمعبرة عنك ، كالروح في الجسد فلن تكون سوى امرأة واحده مهما بعدت أو طالت المسافات والأماكن ، مهما أشرقت من الشرق أو غربت من الغرب ، شمس من الشرق أوقمراً من الغرب يسير بجوارك او تراه يبعد عنك في جبال اسبانيا والهمالايا او فوق سفوح التبت فهي في ذاتك في كل الأشياء من حولك .تشعر بها بمجرد ما تسمع صوتها في أول لحظة ترفع سماعة هاتف وتقول لك " الوو" تشعر بحالة من العناق والأستسلام ارتقاء هضاب وجبال تتشبث بثناياها وهبوط في وادي عميق تسقط في بئر عميق بين ضفتي شاطئ مع كلمة " الوو" من شفتيها تسقط على أذنيك فتصيبك بحالة من نشوى اللقاء والعناق والاستسلام لرغبات الذات والجسد في كلمة تعطي صور ة وصورة تعطي حياة .
- تتسائلين فتاتي الرقيقة وابتسامة استغراب على شفتيك وتقولين هذا سيدي خيال مفرط في عقلك أنت ومن الواضح انك لم تبرح الصبي الصغير الذي ينظر للنيل ويري الحسناوات يتضاحكن وهن يغسلن ملابسهن على صفحته فتأملهن عروس البحر أو ساحرات الإغريق وآلهة الجمال لديهم ؟
- نقول لك فتاتي الرقيقة انتظري دقيقة أليس من الممكن أن يتوحد عقل رجل ورجل أو عقل امرأة وامرأة أو عقل رجل وامرأة في أمور كثيرة من حولنا حتى في أمنياتنا ، وأعلمي إذا اتحد الهدف والغاية وتعلمنا فنون العمل نتحد ونتمازج في الأفعال ونأتي بأجمل الأصوات والألحان .
- أليست الفرق الموسيقية تتوحد في لحن واحد ينساب من فوق كل الآلات في نسق كأنها يد واحدة فقط تعزف في تلك اللحظة مع أنهم عديد من الأيدي والصور ولكن اتحدوا في الهدف وتعلموا كيفية التعبير فكان كل واحد منفردا في ذاته متحدا مع الآخر وربما لا ينظر إليه أو يسمع إليه أليست تلك حقيقة موجودة ظاهرة .
- فتاتي الم تشاهدي طائر يطير من قبل هل يطير بجناح واحد أم بجناحين يرفرف على العالم في سلام فربما أحدهم أعلى والآخر أسفل منه يساعده في دورانه ليصل إلى تحقيق الهدف والغاية .
الحب طائر رقيق إذا اتحد جناحيه بين الرجل والمرأة وتم تحديد الهدف سرعان ما يصبح الطيران متعة في ذاته فالوصول إلى الهدف متعة كاملة كمتعة الحصول على الهدف ذاته .
ونحن نقول ونؤمن انه إذا توحدا على الهدف واتفقا على الوسيلة وتعلما فنون الأداء يصبحان غاية واحدة فكرة واحدة جملة واحد ة صورة واحدة ليست هي هو ، ولا هو هي ، ولكن هما شخص جديد مزج هي في هو للبحث عنهم في هم في كل الأشياء من حولهم سيدتي .
- نقول أيضا من كنت له كل الأشياء ، كل الصور ، الحلم والمستقبل ؟ ماذا يكون لك ؟ أليس من المنطقي أن يكون لك كل الأشياء نفسها بنفس القوة والدرجة وتزداد يوماً بعد يوم ؟
ما جزاء الحب إلا الحب ، فالحب الصادق الحقيقي النابع من حب الكون في كل صورة أليس جزاءه الحب في كل الأشياء ، وأعلمي إن لم نحصل على من يقدر حبنا في أشخاص رجل أو أمرآة فسنحصل في تعاملنا في بسمتنا في التفاؤل والأمل في السعادة ونظرة الامتنان في الدعوات التي تصعد للسماء تدعوا الله أن يحفظك ويسدد خطاك ، ستحصلين عليه أكيد أكيد ربما اليوم أو غدا أو بعد غد أو في نهاية المشوار وقبل الغروب بلحظات فسيأتي لا محالة ربما في اللحظة التي تشعرين انه لن يأتي وتدرين الوجه لأخرى فتجديه في ابسط الصور وأسهل الكلمات واصدق التعابير في كلمة تتبعها جمله تلاحقها فكرة وإحساس يشبعها الحلم والرغبة .
- ما نقوله أنه مستحيل الحصول على شربة ماء باردة في صحراء وقت الظهيرة في أيام الصيف ، ويسير يسر الحصول على شربة ماء باردة من نبع مياه في ليالي الشتاء الصافية .
فإذا كنت في صحراء في قلبك وفكرك وعقلك وبيئتك ومن حولك فأنت كمن يبحث عن شربة الماء في الصحراء وقت الظهيرة ولن يجدها ، فسيجد الماء سراب والأحلام سراب، والعمر يتسرب من يديه ويدفن فوق رمال متحركة لن يترك له أثرا أو علامة أو بصمة ، ولن يمر على صاحبه لحظة سعادة أو هناء أو راحة بال ونوم عين وإغماض جفن على سعادة حقيقة .
أم أنت على نبع مياة صافي ينحدر من أعلى فينزل ماء بارد نقي ينعش الروح والعقل قبل القلب فهل تجدين صعوبة أن تحصلي على رشفة ماء باردة وأنت على هذا النبع .
فالأساس أين نحن من أنفسنا من الحب ؟ وأين نبحث عن شربة الماء في صحراء الربع الخالي ذات الرمال الغادرة أم في نبع أهدن الصافي المنحدر من أعلى الجبل ؟ وماذا أعطينا لننال شربة الماء ؟
-هذه المحاضرة ردا لسؤال فتاة رقيقة تشب على الطوق بأنوثة طاغية وعيون رقيقة صافية محبة وأحلام جميلة وأحاديث وسادة خالية ولا تدري ما الحب وكيف علاماته ولمن الحب وما نتائجه وهل هي تعيش الحب أم تعيش حالة من الحب .
- فكان الرد في توضيح تعريف ومفهوم الحب ، والحاجة إلى الحب وحالاته وصوره من خلال كتابات القرآن الكريم والأحاديث النبوية والإنجيل ونماذج من الأدب الفرنسي و العربي بشقية الحب العفيف والصريح وحرصت على أن تكون النصوص المقتبسة بلونين مختلفين
هذه محاضرة مسموعة في الأساس أكثر من كونها مقروءة . وهذا اجتهاد منى حسب ما أراه وما اعتقده أو ما وجدته حتى وأن اختلفت معه فإن أخطأت في فكرة أو جملة أو كلمة فهذا من نفسي وما أبريء نفسي أن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي ، وأن أصبت فمن الله نعم الهادي إلى الطريق المستقيم .
- وحرصت من خلال الحوار إلى التفهم في المعنى أكثر والوصول بالمشاعر إلى الصور الحقيقة ومحاولة التجريد أحيانا للوصول إلى الهدف الأساسي من الأشياء والغاية الأسمى وأضعها أمام من يقراها في صورتها الحالية ولكل قارئ قرئها مباشرة أو من خلال آخرين فله الحق أن يعلق عليها ويضيف عليها رؤيته أو يستخدم منها مايريد كيفما يريد فهي عمل مشترك للجميع ومع الجميع
- وإلى سيدتي الجميلة وفتاتي الرقيقة أقول لهما أنتما الأجمل والأرق وسببا في كثير من الأشياء الجميلة وأتمنى أن أكون أجبت على ما يشغل بالكما ،كما أتمنى أن تكون محاضرة ذات نفع وفائدة ومتعة خاصة لك أيتها العاشقة الصغيرة وأن تصحح لك كثير من المفاهيم التي ربما غابت عنك وتساعدك في الرؤية والاستمتاع أكثر بالحياة وتمنياتي لكما بأن تكون كل أيامكما القادمة جمالا وتألقا وحباً وعشقا متمتعتان في ذاتكما ممتعتان لمن حولكما بكل الحب والود .
سألت عن الحب؟
وهل كل علاقة بين رجل وامرأة حب؟
وهل رغبات الجسد جزء من الحب أم هي من الشهوة المرفوضة الغير مقبولة في الحب ؟
وهل ما يشعر به الأخر تجاه الآخر حب أم من الممكن أن يكون وهم الحب ؟
والحب صورة واحدة ثابتة أم متغيرة متبدلة تنقضي وتذهب وتتبدل وتنتهي مع الأيام ؟
وما علامات من يحب وكيف يستطيع أن يتأكد من انه محب ؟
ومن يحب شخصا ما هل من الضروري أن يكون الأخر محب له بنفس الدرجة والقوة .؟
كيف اعرف أنى محبة وكيف أسير في شاطئ الحب بمهارة العاشقة المتلذذة بحياة الحب والمحبين؟
وكيف تنجلي الصورة لعيون قلبي وفكر روحي فأعلم أن كنت محبة أو متوهمة الحب ؟
لقد سألت عن عظيم وعن ما اشغل الإنسان منذ بداية الحياة والتكوين وعن هدف وغاية ووسيلة
ومن الصعب أن يتحول الهدف والغاية إلى وسيلة فهي وسيلة لنصل لغاية الحب
فبالحب نصل للحب ونحصل على الحب ونستمتع بالحب فالحب في كل شيء وكل الصور حب الخير والحق والجمال حب الله وجنته وحب كره النار وحب كره الشيطان وشره فتجد أن أساس الحياة الحب
يخرج من كل الأشياء ويحتوى كل الأشياء حتى الكره يحتويه الحب ويخرج منه
فكيف تحب أن تكره فالحب أساس الكون والعقيدة
فحب الله لعبيده مهد لهم الأرض وسهل لهم سبلها وأرسل لهم الأنبياء.
نستعن بالله الواحد الأحد الفرد الصمد ونجعل حوارنا لله ومع الله سبحانه وتعالى وخالصا لوجهه الكريم .
الحب أساس الحياة :
1- الحب أساس العقيدة وأصل الدين والحياة :
- الحب لله تعـالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم فرض وأمر ويدل على إثبات الحب لله تعالى قوله عز وجل :
(( فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ (54) البقرة )) – وقوله تعالى ( ( وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبًّا لِّلّهِ - (165) البقرة - . – وقد جعل الرسول صلى الله عليه وسلم الحب شرط الإيمان (( لا يؤمن أحدكم حتى يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما )) – متفق عليه – وجاء أعرابي إلى النبي صلي الله عليه وسلم فقال : يارسول الله متى الساعة ؟ قال :" ما أعددت لها " فقال : ما أعددت لها كثير صلاة ولا صيام إلا إننى أحب الله ورسوله فقال له رسول الله صلي الله عليه وسلم :" المرء مع من أحب " . متفق عليه . "لا يؤمن أحدكم حتى يكون الله ورسوله أحب اليه من نفسه ومن أهله والناس أجمعين" وقال الرسول محمد صلى الله عليه وسلم:" الأرواح جنود مجندة ما تعارف منها أئتلف وما تناكر منها اختلف". وأن سر التباين في البشر إنما هو الاتصال والانفصال فكل شكل يميل إلى شكله وكل رفيق إلى رفيقه يحن والمثل إلى مثله ساكن والله سبحانه وتعالى يقول: "هو الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها ليسكن إليها" فجعل هدف السكون أنها منه.
- ويروى ان سيدنا المسيح عيسى عليه الصلاة والسلام مر بثلاثة نفر قد نحلت أبدانهم وتغيرت ألوانهم فقال لهم : ما الذي بلغ بكم ما أرى ؟ فقالوا : الخوف من النار ، فقال : حق على الله أن يؤمن الخائف . ثم جاوزهم إلى ثلاثة آخرين فإذا هم أشد نحولاً وتغيراً فقال : ما الذي بلغ بكم ما أرى ؟ قالوا : الشوق إلى الجنة ، فقال : حق على الله أن يعطيكم ما ترجون ، ثم جاوزهم إلى ثلاثة آخرين فإذا هم أشد نحولا وتغيرا كأن وجوههم المرائي من النور ، فقال : مال الذي بلغ بكم ما أرى ؟ قالوا : نحب الله عزوجل ، فقال : أنتم المقربون أنتم المقربون - إحياء علوم الدين للغزالي –
الحب في الأنجيل :
- في الأنجيل رسالة يوحنا الأولى فصل رقم 4 الله محبّة7فليُحِبَ بَعضُنا بَعضًا، أيُّها الأحِبّاءُ لأنَّ المَحبَّةَ مِنَ الله وكُلُّ مُحِبٍّ مَولودٌ مِنَ الله ويَعرِفُ الله 8مَنْ لا يُحِبُّ لا يَعرِفُ الله، لأنَّ الله مَحبَّةِ.
وهنا الرسالة واضحة في تأصيل أصل المحبة فهي من الله الواحد الأحد بفضله وكرمه وجوده على عباده ومن يحب فهو مولود من الله ويعرف الله ومن تبكي عينه من الألم على الآخرين فهو من الله لأن الله محبة أمر بها وحرص على أن يتصف بها عباده فالمحبة رحمة وإحساس بالآخرين والتعاطف معهم ونجدتهم والحرص على حياتهم وسعادتهم ، والمحبة أمل وبسمة ورسالة سلام وتقدير للأخر مهما كان الآخر مهما أختلف معنا مع تباعد بيننا وبينه الفكرة والعقيدة فهو خلق من خلق الله وجب علينا محبته وإحترامه وتقديره ومن يفعل غير هذا ومن هن او يلمز أو يحقر هذا الأخر فهو لا يعرف الله مهما كان كبيرا أو صغيرا، كاهنا أو قديسا أو شخص عادي لا يعرف شيئا فمن يتعرض للأخرين بالإيذاء فهو لا يعرف الله الواحد الأحد خالق الحب والمحبة .
- يقول ايضا في نفس الرسالة 21وَصِيَّةُ المَسيحِ لنا هِيَ: مَنْ أحَبَ الله أحَبَ أخاهُ أيضًا. وهنا مبدأ أخر حبك لله حبك للآخر مهما كان الآخر لأنه من خلق الله فمن أحب الله أحب أخاه أمتدادا وتنفيذا لوصية الله في محبة عباده لأنهم خلق من خق الله ، والحب يتعدي كل الكائنات التى خلقها الله كائن من يكون نبات حيوان ففي الرفق بهم والتعامل معهم برحمة نوع من الحب لله ونوع من التوحيد والتمجيد والتقديس لهذا الأله .
- يقول ايضا في فصل رقم 15 يقول - 12هذِهِ هِيَ وصِيَّتي: أحِبُّوا بَعضُكُم بَعضًا مِثلَما أحبَبْتُكم. وهنا أمر فقال ( أحبو ) والألف نوع من الأمر والألتزام وكان من الممكن أن يقول ( حبوا ) فهذا أمر فكما أحببتكم فيجب عليكم أن تحبوا بعضكم بعضا وهنا كما تأخذ المحبة من الله عليك أن تعطي المحبة إلى الآخرين وفرض أن تعطي الحب للآخرين إذا كنت تبحث عن الحب من الله ، و حبك للآخرين نوع من الاستمرار والتواصل للحب من الله العظيم .
- يقول في 17وهذا ما أوصيكُم بِه: أنْ يحبَ بَعضُكُم بَعضًا. وهنا بعد كانت أمرا يعود فيجعلها وصية الى من يريد ان يتبعني ومن يقول أنه على منهجي وطريقتي ويريد محبتي عليه أن يحصل عليها من محبة الأخرين .
2- الحب فطرة فطر الله عليها الخلق :
- الحب فطرة خلق الله بها الإنسان وهي أساس الحياة فيه تغفر الزلات وتزداد الحسنات وتعمر الأرض والسماء وتزداد الزهور جمالا والأطفال عناقا وانتعاشا، وهناك قول اثري " لو لم نجد الحب لأخترعناه" فالطبيعة البشرية التي خلقها وفطرها عليها تشتاق إلى الحب وتبحث عنه في ذاتها وفي حب الآخرين لها وحبها للآخرين مما يكون النسق الطبيعي للحياة وللنمو في الدنيا والتفاعل بين البشر وأعمار الأرض .
تعريف للحب :
الحب فعل رق ودق وأثر فأبلغ الأُثر في من يحب ، فدقة معانيه لجلالتها عن أن توصف ولا تدرك حقيقته إلا بالمعاناة ولو كان غاية الحب الصورة الشكلية لما استحسن أحد صاحب الصورة الناقصة ونجد كثيرا من يؤثر الأقل ولا يفضل عليه غيره ولا يجد لقلبه عنه محيدا ،
ولو كان للموافقة في الأخلاق لما أحب المرء من لا يساعده أو يوافقه،
ولذا نعتقد ان المحبة شيء في ذات النفوس كانت لسبب ما من الأسباب تشعر به
لا تدري له سببا قد يكون حسن الصورة حسن الخلق حسن الحديث والنظم
أو بسبب أخر لا تدري له سببا في اغلب الأحيان قد يكون أحدهم أو كلهم مجتمعين .
- فالحب هو كل ما رق ودق وتمكن فتملك من نفس المحب الى الحبيب.
- الحب شعور وجداني قوي ينمو نحو شخص او فكرة او موضوع مع رغبة في الارتباط بهذا الشخص .
- الحب سلوك يتمكن من النفس فيحيد بها عن سلوكها الظاهري الى سلوكها الباطني ولتحقيق رغبات المحب في الوصول الى الحبيب الذي يحبه.
- الحب أي شيء تشعر بالمودة والألفة نحوه وتستمد منه مشاعرا وأحاسيس وأفكار تجعل الحياة لك أجمل وأرق وأحلي تجعلك مبدعا في ذاتك مؤثرا على محيطك مشيدا في الحياة الحق والخير والجمال فهو ينبوع يفيض من داخلك الى محيطك فيغير العالم لك ولمن حولك فهذا هو الحب .
- الحب لفكرة لجملة لوطن لرسالة لعقيدة لشخص لعمل لكل شيء من الممكن أن يؤثر ويغير في صاحبه ويجعله الأفضل والأروع والأحسن بفضل الله عليه فهذا هو الحب الحقيقي الصادق .
صور الحب :
وللحب صور عديدة وأنواع متعددة أعلاها وأفضلها وأجلها :
- المحبة في الله ولله وهي تستلزم محبة ما أحب الله ، وتستلزم محبة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم .
- محبة القرابة ومحبة الألفة ومحبة الصداقة ومحبة الاتفاق في طريقة أو دين أو مذهب أو مهنة أو صناعة ومحبة التعرف ومحبة بلوغ اللذة ومحبة لنيل غرض من المحبوب إما من جاهه أو مال ومحبة العشق فكل محبة تنقضي بقضاء هدفها وتزيد وتنقص إلا محبة الله وفي الله ، لأنه من ودك لأمر ولي عند إنقضائه .
- محبة المشاكله والمناسبة ( هي انجذاب الشيء الى موافقة ومجانسة بالطبع فالمثل إلى مثله مائل وإليه صائر ، والضد عن ضده هارب وعنه نافر ).
وقال الله تعالي ((هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَت دَّعَوَا اللّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحاً لَّنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (189) )) سورة الأعراف-
فجعل سبب سكون الرجل الى المرآة كونها من جنسه وجوهره وهذا يفسر إلتقاء شخصين ربما مختلفين في الصورة والحسن وربما مختلفين في القصد والإدارة وإن كانت الأتفاق من أسباب المحبة ولذا فالمحبة الحقيقة لا تزول إلا بعارض يزيلها كالموت ، فربما تجد من يحب ويبلغ من العمر دهرا وإذا ذكرت له الحبيبة تذكر وصبا وتبدل وازداد شوقا وحنينا اليها. ونفس المحب عالمة تبحث عمن تحب مشتهية لملاقاته جاذبة منجذبة إليه، فإنها استحسان روحاني وإمتزاج نفساني ولذا إذا وجدت علاقة بين طرفين أحدهم أكثر من الآخر فهي إما محبة غرضيه أي لحاجة وغرض لأحدهم فلا يشتركان في محبة الغرض أو يوجد مانع في المحب إما في خلقه أو خلقته تمنع الألتقاء والأقتراب بينهم فإذا لم توجد تلك الموانع كانت المحبة ذاتية من كلا الطرفين بنفس الدرجة ونفس القوة ومتبادلة الأتجاه .
- صورة حب الأخرين في كل الصور أم وأب وأخ وأخت وابن وصديق وأخر لا تعلم له سميا إلا أنه إنسان حب الخير وهو حب العطاء والمساعدة والبذل من أجل ذاتنا في الأخرين .
- صورة حب الذات في ذات تسكن اليها تسر اليها بمكنونات النفس تعشق لمساتها صوتها حركتها سكونها حب الذات وعشق الروح في الجسد وعناق في استسلام مع حديث همس في صرخات من أعماق النفس الى نفس تحتويها فتعيد لك التوازن وتعيد للحياة طبيعتها وللكون حركته وللنفس سكونها ووداعتها واستعدادها للعودة من جديد في كل مرة امرأة ورجل جديد أسفل زخات المطر يعدن الولادة من جديد في رحم الحب في أعماق الذات يتقابلان ، يتلاقيان ، يتهامسان ، يتحادثان ، يتعانقان ، يتحاوران ، يسجدان على سجادة الصلاة سويا في البحث عن عبادة الله الواحد الأحد في اتحادهم واتساقهم في لحظات السكون والدعاء بالتواصل .
درجات الحب :
الحب مثل كل الأشياء يبدأ صغيرا ينمو وتزداد فيبدأ بالإعجاب ثم التعلق ثم التغير بأن يسقط على من يحبه أشياء ليست فيه ثم التبلور وهي مرحلة وضع كل الصفات والمزايا في صورة جديدة متبلورة يبدأ بالإعجاب بالصورة الحسنة فالنفس مجبولة على الولع وتمييز الحسن والإعجاب به فيقترن بها ويقترب منها فإذا اقتربت منها وجدت أشكال من الاتصال الأخرى بدأت تتدرج إلى المراحل الأخرى حتى تصل إلى المحبة الحقيقية وإن لم تتجاوز الصورة أصبحت حب شهوة ،
والحب داء وفيه الدواء منه على قدر المعاناة ومقام مستلذ وعلة مشتهاة لا يود السليم البراء منها .
- تذهب لمعرض به صور رائعة فتجد صورة جميلة براقة ألوانها قوية وتعبيراتها صارخة تجذبك من أول صالة العرض فتذهب إلى هناك تقف أمامها وتنظر إليها فتجد معانيها رقيقة سطحية سرعان ما تتركها ، بعد ان تفقد الألوان بريقها وتأثيرها وتتحول الألوان القوية إلى أشياء تزعجك فلا تستطيع أن تكمل الوقوف أمامها أو تجد خلف جمال الصورة عمق الشخصية ودفء المشاعر ونبل الأخلاق فتعيش بداخلها . ولعلك تجد شخص يقف أمام لوحة لا يتحرك تتعجب ماذا يعجبه فيها ، فهو قد وجد ما يجذبه وما يجعله يعيش بداخل تلك الصورة واستمد منها الاتصال الروحي الذي يدفعه إلى التفكير فيها وحولها ومن خلالها ،
- وإذا نظرنا إلى قطعة من الألماس نجدها في الأساس قطعة من الخشب تعلقت بمجموعة من البلورات الزجاجية حتى التصقت بها ثم تبلورت حولها العديد من الطبقات حتى تحولت الى قطعة من الألماس النادر التي غيرت من طبيعة المادة وقيمتها فهذا الحب الحقيقي يحول النفوس والطباع الى قطع من الألماس تتواري خلفها كل الصور الأولى إلى صورة حالية براقة تخطف الأبصار وتسير بالعقول وتبقي مع الزمن قيمة خالدة عطائه براقة حتى بعد أن تنتهي الحياة فمازالت قصص المحبين والشعراء تثير في أنفسنا الراحة والسعادة والبحث عن الحب حتى بعد أن مضوا وانتهوا من عالمنا فقطعة الألماس تبقي آلاف السنين وتظل تشع بريقا ولمعانا على مدار السنين .
- أو حبة من الرمل عشقت محارة فتحولت وتبدلت إلى لؤلؤة براقة جميلة تظل دوما رمز للنقاء والأصالة والقوة والجمال في أن واحد هكذا الحب لؤلؤة نادرة بداخلها ألماس في صورة من صور الطبيعة وقدرة الخالق على الإبداع تبارك الله أحسن الخالقين ، وكأن العشق مبدل مغير من صورة الأقل الى صورة الأعلى والأفضل والأكثر تميزا ، فمن حب ولم يتبدل أو يتغير أو يتطور فهو موهم بالحب وليس محبا عاشقا أو محب بالدرجات الأولى من الحب ، فالحب درجات ومراتب وليس كل المحبين درجة واحدة .
تعريف كلمة الحب لغويا :
والحب (ح – ب ) كلمة مكونة من حرفين:
حرف الحاء (ويخرج من داخل الروح من أقصى الحلق وكأنه ينطق من أعماقك )
حرف الباء ( يخرج من الشفتين ويغلق عليها وكأنه سر من أسرار حياتي يغلق الروح عليه والنفس ودعيهم يا حياتي يفكرون يتخيلون )
وكأن حروف الحب تدل على أنه بداية من داخلك بكل أعماقك تغلق عليها حياتك وتغلق عليها كل أشيائك وأفعالك حب بلا بداية إلى نهاية بدون افتراق فيخرج من أعماق النفس ليحرك القلب فتنطق به الشفاه وتتخاطب به العيون وتتصاعد به الآهات والزفرات والعبرات وتتحرك به اللمسات.
والأفعال والأقوال التي نعبر بها عن الحب لا قيمة لها إن لم تكن نابعة من مشاعر دفينه بالقلب صادقة يتوافق فيها الظاهر والباطن على نفس الدرجة والوتيرة من الألتقاء والألتصاق.
فالحب ليس نزوة عابرة او شهوة مجردة وإنما هو اشتراك بين روح وجسد ،
فالحب ليس حب جسد لجسد فيكون شهوة ورغبة حب الشهوة والألتقاء والألتصاق فإذا انقضت وتمت الرغبة سرعان ما يترك كلا منهم الأخر فحبهم كان للعلاقة وليس للأخر ينقضي بانقضاء العلاقة. وانتهاء لذاتها .
والحب ليس حب روح لروح فتكون تخيلات وأحلام فكرية تداعب خيال ملائكي للأرواح
لا أجساد لها فيكون أوهام وأحلام خرفية في ليالي غاب فيها العقل والجسد معا ،
بل هو أمر وحكمة الله الواحد الأحد الذي خلق الأرواح تتلبس الأجساد فتتحكم بها وتأمرها فتأتمر بأمرها
فالحب روح تتقابل تتعانق وجسد يلتقي يشفى للروح رغبتها في الألتصاق واللقاء والعناق.
علامات وبدايات الحب :
إدامة النظر إلى من تحب فالعين رسول المحبة والمخبرة عن أسرار النفس والمعبرة عن بواطنها وأول سهام الحب ورسول المحبين ولذا حرص الشرع الحنيف على غض البصر وحرص القرآن الكريم على أن يقول للمؤمنين والمؤمنات على غض أبصارهم عما لا يجوز لهم أو غير محلل لهم وفي هذا حرص على آلا يقع الإنسان في حالة الحب الغير حلال وغير المتوافق مع ضوابط الشرع التي تأخذ بالعقل فيتبع المحب المحبوب فيقبل على حديثه وينصت له وتصديقه في كل شيء وموافقته والتعمد للقعود بقربه والدنو منه ومنها اضطراب المحب إذا وجد من يشبه محبوبة أو ذكر مجرد اسمه فجأة واضطراب يظهر على المحب عند رؤية من يحب فجأة .
والحب الحقيقي مبدل لطبائع النفوس ومغير العادات ، فيحيل الشخص لأخر يطغي الحب على حركاته وسكناته ، فكم من بخيل جاد، وعبوس تطلق ، وجبان تشجع ، وحاد ترقق ، وجاهل تعلم ، وناسك تفتك ، ومصون تهتك . ومن مظاهرة التعمد لمس اليد عند المحادثة ، لمس ما أمكن من الأعضاء الظاهرة ، وعناق الباطنة بالروح والرغبة ، وتحري المكان الذي يقابله فيه ، وإذا حدث بينهم إختلاف كبير لا يصلحه سوى الدهر الطويل فإذا تقابلا فلا تلبث أن تراهما عادا إلى أجمل الصحبة ، وسقط الخلاف ،
وانصرف إلى المضاحكة والمداعبة في الوقت ذاته .
- من علاماته تجد المحب سيتدعي سماع اسم من يحب ويستلذ الكلام عن أخباره ، ولا يرتاح لشيء ارتياحه لها ، ولا ينهيه عن ذلك تخوف أن يفطن السامع ويفهم الحاضر.
- من علاماته حب الوحدة والأنس بالإنفراد والسهر من أعراض المحبين وحديث النجوم وحركة الكواكب وترقب صعود الشمس وغياب القمر.
- من علاماته الجزع الشديد عندما يري من إعراض محبوبة عنه وأنفاره منه وآية ذلك الزفير وقلة الحركة والتأوة وتنفس الصعداء .
- من علاماته أنك ترى المحب يحب أهل محبوبة وقرابته وخاصته حتى يكونوا أحظي لديه من أهله ونفسه ومن جميع خاصته.
واعلم قد يكون في الدنيا ما يغنى الشخص عن الناس وأهل الأرض جميعا ولكن الدنيا بما وسعت ورحبت لا يمكن ان تغنى او تعوض محبا عن الذي يحبه فهو شخص واحد في ذاته ولكنه في حساب المحب أول الأعداد والأشخاص وأخرهم إذ ليس بعد آخر مهما تكررت الأشخاص وتغيرت الصور
وتبدلت الأماكن إذا تمكن الحب الصادق من النفس .
وإذا كان الكلام والتعبير واللغة وسيلة وأداة من أدوات الحياة ، أما الحب فالحياة من بعض أدواته فالحياة تشمل الحياة على الأرض والحياة في السماء والفكر والعقل والماجن والحكيم والمجنون فالحب حياة في ذاتها تختلف عن تعبيرات ولغات الأخرين فالكلمة الصادقة النقية التى يلقيها حبيب الى محبوبته تأتى وكأنها لغة مخلوقة لذاتها ولحظتها إذ ينتزع منها المحب صورا لا يراها كل الناس ويصب له من نفسه معاني لا تكون لها في ذات الكلمة ويراها مبتدعة ابتداعا غريبا كأنه رسالة حياة كاملة في كلمة فمن الممكن ان تكون رسالة يراها اثنين من المحبين حياة بأسرها في أربع حروف تنساق فيها كل الرغبات من تنهيد وبكاء وضحكات وأمل وفرح وتوجع ولقاء وارتقاب وسعادة بنتيجة ، إذ ان كل كلمة ببينهم تضرب على قلب احدهم او كلايهما معا وعلى عقله فتكون حروف خلفها صور وأحداث ومشاعر .
- من علاماته البكاء للمحبين فهو غزير تحضره دمعته إذا تذكر حبيبة .
- من آياته مراعاة المحب لمحبوبة وحفظة لكل مايقع منه وبحثه عن أخباره حتى لاتسقط عنه دقيقه ولا جليلة وتتبعه لحركاته.
- الحب مبدع في ذاته دافع لغيره فيجعل المحب في أحسن حالاته وأعصابه هادئة خصوصا إذا بلغ المحب حبيبة وامن برفقته وانس بقربه فيكون إطالة عمر في عمره وتفاؤل ينتشر في وجدانه ويدفعه إلى عمل خارج عن طباعه مبدع في صوره وأشكاله .
- من علامات الحب الحقيقي أن يتبدل الخامل الذِكر الضعيف الهمة إلى نشيط متقد الذكاء واسع الصيت ، أن يتبدل البعيد الرؤية إلى حكيم صفيح يعلو إلى عنان مجد السماء ويصعد منصات التتويج والإعجاب يبحث عن عيون من يحبها ليقول لها أنا هنا في أعلى من داخل أعماقي
هنا من أجلك أنت من أجل أن أكون من يحبك ومن تحبينه سيدتي.
فانا كقطرة ماء تمتزج في أنهار شوقك وحنينك ونسمة عليل في عواطفك العذبة الندية فلا يوجد شيء وحيد فحكمة الخالق أن تلتقي الأشياء وتمتزج في روح ومكان ومشاعر واحدة فلماذا لا نلتقي أنا وأنت سيدتي نلتقي على لحظات المجد نصنعه سويا اصنعه من أجلك ولك وبك فانا منك وأنت لي .!!!!
الحب قانون كل شيء من حولنا لا يتدخل فيه الإنسان ، فتجدي فراشة تطير على زهرة تجمع الرحيق وتنقل معها حبوب اللقاح والنمو والأستمرار والأزدهار بشكل بديع متناسق
وتعطيك من حلاوتها وتعطي للكون جماله ورقته وعذوبته .
إذا فقد الحب فلن يكون هناك معنى او قيمة للكون بما فيه مهما كبر ومهما اتسع او ضم او رحب فلا أمومة ولا طفولة ولا حياة بدون الحب لو درجة من درجات الحب والأمل في الغد المشرق .
حالات المحب :
الحب ليس درجة واحدة او حالة واحدة تبدأ بنفس الدرجة والسرعة والوصول وحكمة الواحد الأحد جلا علاه في أن الأشياء تتدرج من بدايتها ولذا ينقسم الحب الى أقسام حسب الحالات والدرجات التى يمر بها المحب لمحبوبه :
1- الإعجاب : إعجاب المحب بشيء يجده فيمن يحبه .
2- العلاقة : وهي تعلق المحب بالمحبوب.
3- الصبابة : انصباب قلب المحب على محبوبه في كل الصور والحالات.
4- الغرام : لزوم الحب للقلب المحب لزوما لا ينفك عنه في كل حالاته وعلى مدار يومه وليله. فإذا استيقظ وجدها في نظرة عينيه وجدها في أشياءه وإذا نام وجدها في حلمه ومنامه.
5- العشق : وهي إفراط المحب والمحبة لمحبوبة بدون تفكير او تدقيق او تمحيص فهو أنا وأنا لست ادري من أنا.
6- الشوق : سفر القلب إلى المحبوب والسكون بداخله فلا أرى الآ ما يرى ولا استحسن من الكون إلا ما استحسنته عينيه وما أهفو الى قلب الا للذي بداخله.
7- التيم : تعبد المحب لمحبوبة وهي درجة المحب لله في ذاته فتتعبد في ذاته تعبد التيم في كل أفعاله خالصة لله ولوجه الكريم كل الأفعال بلذة المحب المتشوق الى لقاءه ويتعبد في ذاته.
وهناك الشغف والهيام وغيرها الكثير مما شابه ما سبق من حالات...
المحب يعشق القيم العليا والشموخ والكبرياء والمغامرة والإباء ويهيم بالفن والفكر يهيم في عالم من الجمال والسحر في عيون محبوبته ويجوب وادي من أفكار البحث عنها ، البحث لها ، البحث معها ،البحث عنها في ذاته وفي ذاتها وفي الكون من حوله، والبحث لها في أفضل الصور والمعاني والكلمات ، والبحث معها عن سعادة الأرض وجنة الفردوس .
ويقول الله سبحانه وتعالى ((وِمِنْهُم مَّن يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (201)) البقرة - .
فحسنة الدنيا المرأة الصالحة المحبة لزوجها المحب لها ، تحب بكل مشاعرها وكيانها وإحساسها ، وحسنة الآخرة الجنة وتمنى الفردوس الأعلى ، فكأن المرأة المحبة فردوس الأرض والجنة فردوس الآخرة ، وهنا من يعيش الحب في قمة حالاته وأعلى عطائه يحصل على فردوس الأرض وإن شاء الله يحصل على فردوس السماء باذن الله وفضله ، ومن أنعم عليه خالقه بالفردوس الأرضي سيصله لا محالة بإذن الله الى الفردوس السماوي أيضا بجوده وكرمه على عبده . !!!*
ولذا العاشق المحب لذاته من خلال ذات حبيبه يدفع في ذلك أثمن وأغلي ما يدفعه محب للفردوس وتاتي كلماته نابضة بصدق مشاعره ونابعة من داخل أعماق ذاته في بداية الكون تبحث عنها لنهاية الفردوس لفردوس أخر ممتد بلا نهاية ولذا الحب طريق الجنة ووسيلة المحبين لبلوغ المراد فلن تبلغ المراد بدون بلوغ سبل المحبين العاشقين لله سبحانه وتعالى والمحاسبين لأنفسهم الناظرين له في كل الصور وفي كل الحالات .
- الحب حالة من العطاء المتصل المستمر الذي يأخذ من نبع المحبة في ذاته ويعطيها للأخرين ولذا يجب السماع الى صوت المحبة الخالصة والحب الخالص والعمل بتأصيل الحب في الذات وإعطائه للأخرين ، وكما قال جبران خليل جبران " إذا اشارت المحبة إليكم فاتبعوها .. وإذا ضمتكم بجناحيها فأطيعوها .. وإذا خاطبتكم فصدقوها .. المحبة لا تعطي إلا من ذاتها ... ولا تأخذ إلا من ذاتها .."
- قال الشاعر الأنجليزي الشهير جورج شامبان على لسان فاليريو ابن الفارس كونستازيو في مسرحيتة All fools – أخبرك أن الحب هو شمس الطبيعة الثانية يفجر ينبوعا من الفضائل حينما يشرق ، وكما أنه بدون الشمس عين العالم الكبيرة يصبح كل ما في الفن والطبيعة من ألوان وجمال عبثا في نظر الرجال. كذلك فإنه بدون الحب يصبح كل ما في النساء من جمال عبثا ، وتصبح كل الفضائل التي اكتسبها الرجال خاملة لأن الحب يظهرها مثلما تظهر الشمس الألوان ، وكما تعكس الشمس على العالم أشعتها الدافئة وتنمي الفواكه والأزهار ، فإن الحب حينما يشع جيدا في داخل الإنسان يولد فيه كل الثمار المشرقة الشجاعة والفضيلة والأفكار السامية إنه الفردوس والجنة في الأرض.
وهنا كما تكون الشمس هي المحرك الرئيسي لحركة الكون بفضل الله وحكمته وهي التى تصنع الصور والنماء وتلبس الأشياء ألوانها وحقائقها وبدون الشمس ستشح كل الأشياء من حولنا بالسواء والموت وتفقد كل الصور والحالات تأثيرها فهكذا الحب الصادق العفيف النقي يصنع في نفوس الرجال وطبائعهم فتولد بداخله كل الفضائل وتكتسب كل الصور الداخلية الكثير من المعاني والقيمة لها بالحب .
الحب قامت له الدنيا وبدأت به الحياة ، فحب الله سبحانه وتعالى لخلقه ، خلق لهم الأرض والسماء ، وأقام لهم أسباب الحياة ، فأشرقت الشمس وعمرت الأرض بنور ربها ، وأرسل الأنبياء لهداية البشر ، وأقام الجنة للمحبين الطائعين له سبحانه وتعالى ، المحبين لذاته الطائعين له والمحبين لجنته ، والمحبين لكره المعصية والنار ، وأقام النار للمحبين للعدل والقصاص ، فكانت الأرض والسماء والخلق والجنة والنار هي علامات الحب والحب هو أساس وجودها .
والإنسان المسلم الحق مثل النسيم العليل يهب على كل واد بما فيها من أشجار ونباتات وصحراء وبشر كالمطر يهطل على الأرض الجرداء فتتحول الى جنة خضراء بأمر ربها ، يمنح الحب الصادق لكل الناس بكل أنواعهم وطوائفهم وميولهم واتجاهاتهم بعيدا عن عرق او عرف او دين فهم في النهاية بشر من خلق الله يتمنى ان يكونوا مثله على ما يراه من الحق والتوحيد والصدق لأنه يتمنى الخير لكل البشر في الدنيا ، والأخرة في جنة الله ويتألم إذا رأى الناس في ضلال وخداع وظلم ويخشى عليهم من الإفساد في الأرض الذي استخلفه الله فيها في الدنيا ومن نار الله في الآخرة .
قيل لعالم عابد ابنك قد عشق فقال" الحمد لله الآن رقت حواشيه ولطفت معانية وملحت إشاراته وظرفت حركاته وحسنت عباراته وجادت رسائله وجلت شمائله فواظب المليح وتجنب القببح " .
الحب نجاح بإمتياز . فهو إحساس داخلي تعقبه كلمه يتبعها فكر وعمل وإبداع وحياة بكل ما فيها من بذل وعطاء وجهد وسعادة وبكاء ودموع فالحب حياة كاملة .
الحب يجعلك في صحة جيدة وسعادة من الإكتفاء بما تحب عما سواه وهدوء الأعصاب فيجعل جميع العمليات الحيوية بداخل الجسم تعمل بإنتظام وكفاءة والتوترات تختفي والتفاؤل ينتشر في وجدان المحب وأفكاره فيدفعه للعمل المثمر الذي يمتعه ويمتع الأخرين وتزداد مقاومة الخلايا له لكل الأشياء الضارة والفاسدة فالحب مدافع لأمراض العصر والسرطانات فإذا كنت محبه سيدتي ستتجاوزين الأزمة وتعودين الى من تحبين تنثرين الضحكة والابتسامة على كل الشفاة المحيطة بك سيدتي . فالحب يجعلك تتفاعلين مع أقدار الله بقدر الله وبتفاؤل وأمل وبسمة في رحمة ربك ومغفرته وأنه يعطى الإنسان دائما الخير
وقيل أن المأمون أمير المؤمنين سأل يحيى بن أكثم – قاضي - عن العشق ما هو ؟
فقال هو سوانح تسنح للمرء ، فيهتم بها قلبه ، وتؤثرها نفسه .
فقال له ثمامة : اسكت يا يحيى ! إنما عليك ان تجيب في مسألة طلاق أو في محرم صاد ضبيا أو قتل نملة ، فأما هذه فمسائلنا نحن – وكان ثمامة شاعر –
فقال له المأمون : قل ياثمامة ، ما العشق ؟
فقال ثمامة : العشق جليس ممتع ، وأليف مؤنس ، وصاحب ملك مسالكه لطيفه ، ومذاهبه غامضة ، وأحكامه جائزة ، ملك الأبدان وأرواحها ، والقلوب وخواطرها ، والعيون ونواظرها ، والعقول وآراءها ، وأعطى عنان طاعتها ، وقود تصرفها ، تواري عن الأبصار مدخله ، وعمي في القلوب مسلكه .
فقال له المأمون : أحسنت والله ياثمامة وأمر له بالف دينار .
- فقد صور الشاعر العاشق الحب بجليس وأليف وصاحب حكم وسلطه على محبه وأحكامه غير قابلة للتفسير أو التعليل أو الفهم فيكفي أنه محب يمتلك عليه قلبه وما فيه من خواطر وأهات ، والعيون وما ترى وما تسمع وما تفكر ، والعقل وتصرفاته ، ويكون بمكنون النفس في داخلها مثل الروح لاتروي ولكن تشعر بها .
- وتسكن اليها وتتقابل وتتمازج وتتحد في منظومة كما كل الأشياء في الكون من حولنا ولذا فالحب قانون كل شيء من حولنا لا يتدخل فيه الإنسان فهي منظومة من فراشة تطير على زهرة رقيقة بكل الحب فتجمع منها الرحيق وتنقل معها حبوب اللقاح والنمو والأستمرار والأزدهار بشكل بديع متناسق وتعطيك من حلاوتها ولذا في النهاية يقول لها إذا لم تكوني معي فليس معنى لكل الأشياء فإذا انتف وجود الحب فلن يكون هناك معنى او قيمة للكون بما فيه مهما كبر ومهما اتسع أو ضم أو رحب فلا وجود بدون الحب فلا أمومة ولا طفولة ولا حياة بدون حب على الأقل ولو درجة من درجات الحب والأمل في الغد المشرق .
السحر والحب عند القدماء المصريين :
- أعتقد المصريين القدماء بأن الحب قوة خفية متقلبة لا يمكن السيطرة عليها ولذا ارتبطت بعالم السحر والسحرة ولذا أقام السحرة جرعة سموها جرعة الحب – يؤخذ بعض القطرات من الدم من بنصر العاشق او العاشقة ويذاب في إناء السحر بعد أن تقرأ عليه تعاويذ خاصة ويعطى لمن يراد التأثير عليه ، فيعمل السحر على استمالة قلبه وخضوعه لمحبوبة أو عودته إليه بعد فراق .
- وقد وجد مكتوبا لفتى لجلب محبة حبيبته واستمالتها " ياحور أجعل ( فلانة بنت فلان ) تتبعنى كما يتبع الثور علفه ويتبع القطيع راعيه وسرب البط قائده " . وهنا سيدتي كانت عقلية الفتى العامل الذي استوحي تشبيهاته وتعبيراته من خلال ممارساته اليومية في البيئة المحيطة به من خلال عمل متصل وشقاء في البحث عن الذات .
- وقد وجد مكتوبا لفتاة في تعويذة مماثلة " قم وأربط من أهواه ليكون حبيبي .. ليبقى كالقلادة حول عنقي والأسورة حول معصمي ، لا تجعل عين الشر تفصل بيننا او تبعده عني " وهنا روعة التصوير والتشبيه للفتاة العاشقة وصورها المرتبطة بحياتها اليومية من خلال الحلي والجواهر والدعة ولكن تظل أنشودة جميلة ورقيقة من الممكن ان يهديها عاشق محب إلى ساحرته حتى اليوم ولو بعد مرور آلاف السنين .
فالحب والقلب واحد من قبل وبعد آلاف السنين ولكن تختلف التعابير والصور باختلاف البيئات وتظل هناك كلمات خالدة لها دلالتها وتأثيرها الذي يتجاوز الزمان والمكان ويمر على مر العصور يشعرك بحين الكلمات ودفيء القلب بالمشاعر .
دستور سيلادون في الحب في الأدب الفرنسي :
- ناخذ من قصة أونورية دور فيه المشهورة أستريه وهي قصة غرام الراعية أستريه والفتى سيلادون وكان دستور سيلادون في الحب هو دستور الهوى الشاعري العفيف ويتلخص في ثماني
- سنكتب ماقال وتكتب ما نقول نحن عليه :
1- كن مفرطا في حبك - ونقول كن محب في كل الأشياء وليس مفرطا، فالحب اعتدال ونجاح ، كن محبا في تعاملك في صوتك في حديثك في تفكيرك محبا لخالقك ، محبا لنبيك ورسولك ، محبا لكتابك وعقيدتك ، محبا لذاتك ، محبا لفتاتك ، محبا في كل لحظات حياتك حتى لحظة النوم والممات ، كن محبا في يومك وليلك وفكرك وسكونك وصمتك ، كن محبا في كل الأشياء وجميع الأشياء من حولك .
2- لا تطوي قلبك على عاطفة أخرى ملتهبة غير هذا الحب – نقول محبا لكل الأشياء حتى حب الكره الذي يجب ان يكره فتجعل الحب دستورك وقانونك الحقيقي لوجودك حتى لحظات الكره والبغضاء تخرج من رحم الحب ، فتحب القتل للظلمة والمعتدين ، وتحب النار للجبارين والطغاة .
3- أحبب أمرآة واحدة فقط – نقول أحبب كل الأشياء من خلال امرأة واحدة فقط ، فسكون الليل هو صمتها ، والنهار هو ضحكتها وحركتها ، والشمس هي ضيائها ، والقمر هو نورها ، وبسمه الطفل الصغير هي بسمتها ، والدمعة الحزينة التي تنساب من أم ثكلي هي دموعها تجدها في كل الأشياء ومن حولك في كل الصور، كن محبا للمرأة واحدة تراها كل النساء وكل الكون بما فيه من صور ومعاني من تضارب وتضاد من توافق واتحد .
4- فليكن همك الأوحد إسعاد المرأة التي تحبها – نقول فليكن همك إسعاد ذاتك في كل الأشياء وكل الصور فإسعاد ذاتك إسعاداً لها ، وإسعادها غاية ذاتك ، بسمتها ،ضحكتها ، أملها في الغد المشرق هدفك وغايتك ، إسعاد الكون من حولك في كل الأشياء في لمسة الحنان والصدق والرحمة بحيوان او زهرة حتى بجماد إسعاد لها ورقة لمعانيها وصورها فربما تلمسه يديها في يوم او تسقط عينه عليه في لحظة
فليكن همك إسعادها من خلال إسعاد كل من حولك وإسعاد ذاتك في ذاتها .
5- دافع عن محبوبتك ضد كل أذى أو عدوان – نقول دافع عن كل مظلوم ، عن كل محتاج ، عن كل بائس شقي أعطى الابتسامة والأمل لكل المحتاجين والمتعطشين للأمل والأمان والحلم الجميل الرقيق في المستقبل فهذا دفاعا عن محبوبتك دفاعك عن كل الأخطاء في ذاتك عن تصحيح نفسك دفاعا عن محبوبتك ضد كل أذى حتى ولو أذى ذاتي بداخلك دافع عنها بتصحيح ذاتك للتوافق مع ذاتها كما تشتهيك وتحب ان تجدك .
6- انظر إليها باعتبارها كاملة في كل الصفات – نقول انظر اليها باعتبارها القياس والنموذج لكل الأشياء فكلماتها نغم وصوتها لحن جميل في الأذن ورؤيته عينها حلم عيونك وأنس جفونك وعناق ليلك فهي بكل ما فيها بكل صورها هي القياس والحلم والنموذج الرقيق الكامل الذي يحتذى ويتصور من خلالها ومن خلالك .
7- لا تكن لك إرادة غير إرادتها – نقول لتكن رغباتها وأحلامها وأفكارها هي رغباتك في أعماق نفسك وقمة أحلامك وإرادتك تنساق مع إرادتها في إرادة مشتركة ترى الكون هو لحظة العناق والاستسلام تعلن عن إرادة محبين تصنع عالماً من الكلمات والمعاني والصور والأحداث ،
تصنع بسمة وأمل ويوم سعيد وغد مشرق بالأمل والفكر والعمل ،
نتحد في إرادتنا لنحقق حلمنا المشترك عالم جميل رقيق من الحب ومن العناق والبحث عن ذات في ذات .
8- لتعد بأن تظل مقيما على حبها على الدوام – نقول إذا كانت هي من تراها في كل الأشياء من حولك وترى كل الصور من خلالها وتدافع عنها وعن الأطفال والأيتام والأرامل والصور المشوهة والحالات المحتاجة والأصوات الخانقة الباكية ، إذا كانت هي ادارة حلم الغد واليوم وأمس ، فلن تكون ذاتك إلا من خلال ذاتها ، تتحرك بداخلك لا تراها ولكن تشعر بها في كلماتك في صمتك في همسك في لمسك في سكونك وحركتك فهي كل الأشياء والمعبرة عنك ، كالروح في الجسد فلن تكون سوى امرأة واحده مهما بعدت أو طالت المسافات والأماكن ، مهما أشرقت من الشرق أو غربت من الغرب ، شمس من الشرق أوقمراً من الغرب يسير بجوارك او تراه يبعد عنك في جبال اسبانيا والهمالايا او فوق سفوح التبت فهي في ذاتك في كل الأشياء من حولك .تشعر بها بمجرد ما تسمع صوتها في أول لحظة ترفع سماعة هاتف وتقول لك " الوو" تشعر بحالة من العناق والأستسلام ارتقاء هضاب وجبال تتشبث بثناياها وهبوط في وادي عميق تسقط في بئر عميق بين ضفتي شاطئ مع كلمة " الوو" من شفتيها تسقط على أذنيك فتصيبك بحالة من نشوى اللقاء والعناق والاستسلام لرغبات الذات والجسد في كلمة تعطي صور ة وصورة تعطي حياة .
- تتسائلين فتاتي الرقيقة وابتسامة استغراب على شفتيك وتقولين هذا سيدي خيال مفرط في عقلك أنت ومن الواضح انك لم تبرح الصبي الصغير الذي ينظر للنيل ويري الحسناوات يتضاحكن وهن يغسلن ملابسهن على صفحته فتأملهن عروس البحر أو ساحرات الإغريق وآلهة الجمال لديهم ؟
- نقول لك فتاتي الرقيقة انتظري دقيقة أليس من الممكن أن يتوحد عقل رجل ورجل أو عقل امرأة وامرأة أو عقل رجل وامرأة في أمور كثيرة من حولنا حتى في أمنياتنا ، وأعلمي إذا اتحد الهدف والغاية وتعلمنا فنون العمل نتحد ونتمازج في الأفعال ونأتي بأجمل الأصوات والألحان .
- أليست الفرق الموسيقية تتوحد في لحن واحد ينساب من فوق كل الآلات في نسق كأنها يد واحدة فقط تعزف في تلك اللحظة مع أنهم عديد من الأيدي والصور ولكن اتحدوا في الهدف وتعلموا كيفية التعبير فكان كل واحد منفردا في ذاته متحدا مع الآخر وربما لا ينظر إليه أو يسمع إليه أليست تلك حقيقة موجودة ظاهرة .
- فتاتي الم تشاهدي طائر يطير من قبل هل يطير بجناح واحد أم بجناحين يرفرف على العالم في سلام فربما أحدهم أعلى والآخر أسفل منه يساعده في دورانه ليصل إلى تحقيق الهدف والغاية .
الحب طائر رقيق إذا اتحد جناحيه بين الرجل والمرأة وتم تحديد الهدف سرعان ما يصبح الطيران متعة في ذاته فالوصول إلى الهدف متعة كاملة كمتعة الحصول على الهدف ذاته .
ونحن نقول ونؤمن انه إذا توحدا على الهدف واتفقا على الوسيلة وتعلما فنون الأداء يصبحان غاية واحدة فكرة واحدة جملة واحد ة صورة واحدة ليست هي هو ، ولا هو هي ، ولكن هما شخص جديد مزج هي في هو للبحث عنهم في هم في كل الأشياء من حولهم سيدتي .
- نقول أيضا من كنت له كل الأشياء ، كل الصور ، الحلم والمستقبل ؟ ماذا يكون لك ؟ أليس من المنطقي أن يكون لك كل الأشياء نفسها بنفس القوة والدرجة وتزداد يوماً بعد يوم ؟
ما جزاء الحب إلا الحب ، فالحب الصادق الحقيقي النابع من حب الكون في كل صورة أليس جزاءه الحب في كل الأشياء ، وأعلمي إن لم نحصل على من يقدر حبنا في أشخاص رجل أو أمرآة فسنحصل في تعاملنا في بسمتنا في التفاؤل والأمل في السعادة ونظرة الامتنان في الدعوات التي تصعد للسماء تدعوا الله أن يحفظك ويسدد خطاك ، ستحصلين عليه أكيد أكيد ربما اليوم أو غدا أو بعد غد أو في نهاية المشوار وقبل الغروب بلحظات فسيأتي لا محالة ربما في اللحظة التي تشعرين انه لن يأتي وتدرين الوجه لأخرى فتجديه في ابسط الصور وأسهل الكلمات واصدق التعابير في كلمة تتبعها جمله تلاحقها فكرة وإحساس يشبعها الحلم والرغبة .
- ما نقوله أنه مستحيل الحصول على شربة ماء باردة في صحراء وقت الظهيرة في أيام الصيف ، ويسير يسر الحصول على شربة ماء باردة من نبع مياه في ليالي الشتاء الصافية .
فإذا كنت في صحراء في قلبك وفكرك وعقلك وبيئتك ومن حولك فأنت كمن يبحث عن شربة الماء في الصحراء وقت الظهيرة ولن يجدها ، فسيجد الماء سراب والأحلام سراب، والعمر يتسرب من يديه ويدفن فوق رمال متحركة لن يترك له أثرا أو علامة أو بصمة ، ولن يمر على صاحبه لحظة سعادة أو هناء أو راحة بال ونوم عين وإغماض جفن على سعادة حقيقة .
أم أنت على نبع مياة صافي ينحدر من أعلى فينزل ماء بارد نقي ينعش الروح والعقل قبل القلب فهل تجدين صعوبة أن تحصلي على رشفة ماء باردة وأنت على هذا النبع .
فالأساس أين نحن من أنفسنا من الحب ؟ وأين نبحث عن شربة الماء في صحراء الربع الخالي ذات الرمال الغادرة أم في نبع أهدن الصافي المنحدر من أعلى الجبل ؟ وماذا أعطينا لننال شربة الماء ؟